كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 13)
بِهَا فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا) الْخِصْبُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ كَثْرَةُ الْعُشْبِ وَالْمَرْعَى وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ وَالْمُرَادُ بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْطُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أى بالقحوط ونقيها بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالدَّوَابِّ وَمُرَاعَاةُ مَصْلَحَتِهَا فَإِنْ سَافَرُوا فِي الْخِصْبِ قَلَّلُوا السَّيْرَ وَتَرَكُوهَا تَرْعَى فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَفِي أَثْنَاءِ السَّيْرِ فَتَأْخُذُ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ بِمَا تَرْعَاهُ مِنْهَا وَإِنْ سَافَرُوا فِي الْقَحْطِ عَجَّلُوا السَّيْرَ لِيَصِلُوا الْمَقْصِدَ وَفِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ قُوَّتِهَا وَلَا يُقَلِّلُوا السَّيْرَ فَيَلْحَقَهَا الضَّرَرُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ مَا تَرْعَى فَتَضْعُفُ وَيَذْهَبُ نِقْيُهَا وَرُبَّمَا كَلَّتْ وَوَقَفَتْ وَقَدْ جَاءَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي أَوَاخِرِ اللَّيْلِ لِلنَّوْمِ وَالرَّاحَةِ هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ النُّزُولُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا أَدَبٌ مِنْ آدَابِ السَّيْرِ وَالنُّزُولِ أَرْشَدَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ وَدَوَابَّ الْأَرْضِ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ وَالسِّبَاعِ تَمْشِي فِي الليل على الطرق لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّهَا تَلْتَقِطُ مِنْهَا مَا يَسْقُطُ مِنْ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ وَمَا تَجِدُ فِيهَا مِنْ رِمَّةٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا عَرَّسَ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ رُبَّمَا مَرَّ بِهِ مِنْهَا مَا يُؤْذِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنِ الطَّرِيقِ
الصفحة 69