كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 16)

بقضاء الله تعالى وقدره خيرها وشرها نفعها وَضَرِّهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ قِطْعَةٌ صَالِحَةٌ مِنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فَهُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا عِلَّةَ لِأَفْعَالِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ سَبِيلُ مَعْرِفَةِ هَذَا الْبَابِ التَّوْقِيفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَمُجَرَّدِ الْعُقُولِ فَمَنْ عَدَلَ عَنِ التَّوْقِيفِ فِيهِ ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحَيْرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءَ النَّفْسِ وَلَا يَصِلْ إِلَى مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي ضُرِبَتْ مِنْ دُونِهَا الْأَسْتَارُ اختص اللَّهُ بِهِ وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَمَعَارِفِهِمْ لِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَوَاجِبُنَا أَنْ نَقِفَ حَيْثُ حَدَّ لَنَا وَلَا نَتَجَاوَزَهُ وَقَدْ طَوَى اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَلَى الْعَالَمِ فَلَمْ يعلمه نبي مرسل ولاملك مُقَرَّبٌ وَقِيلَ إِنَّ سِرَّ الْقَدَرِ يَنْكَشِفُ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَلَا يَنْكَشِفُ قَبْلَ دُخُولِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ بَلْ تَجِبُ الْأَعْمَالُ وَالتَّكَالِيفُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ يَسَّرَهُ اللَّهُ

الصفحة 196