كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 17)

وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَنْ قَدَّمَهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي هَذَا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن بن الْأَعْرَابِيِّ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ قَدَمُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمِهِ إِلَى ذَلِكِ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا يَضَعُ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ فَقَدْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنِ فَوْرَكَ أَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَأْوِيلُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَمِ وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَظْهَرُ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَحَقُّوهَا وَخُلِقُوا لَهَا قَالُوا ولابد مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْعَقْلِيِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْجَارِحَةِ عَلَى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ولايظلم اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا) قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ أَنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى فمن عذبه بذنب أو بلاذنب فَذَلِكَ عَدْلٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ ينشىء لَهَا خَلْقًا) هَذَا دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْأَعْمَالِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُخْلَقُونَ حِينَئِذٍ وَيُعْطَوْنَ فِي الْجَنَّةِ مَا يُعْطَوْنَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَمِثْلُهُ أَمْرُ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا طَاعَةً قَطُّ فَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ

الصفحة 183