كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 17)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِبَقَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِي بِكَ) مَعْنَاهُ لِأَمْتَحِنَكَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْكَ مِنْ قِيَامِكَ بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَادِ فِي اللَّهِ حَقِّ جِهَادِهِ وَالصَّبْرِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَبْتَلِي بِكَ مَنْ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ إِيمَانَهُ وَيُخْلِصُ فِي طَاعَاتِهِ وَمَنْ يَتَخَلَّفُ وَيَتَأَبَّدُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْكُفْرِ وَمَنْ يُنَافِقُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَمْتَحِنَهُ لِيَصِيرَ ذَلِكَ وَاقِعًا بَارِزًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعَاقِبُ الْعِبَادَ عَلَى مَا وَقَعَ منهم لاعلى مَا يَعْلَمُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ أَيْ نَعْلَمُهُمْ فَاعِلِينَ ذَلِكَ مُتَّصِفِينَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تقرأه نائما ويقظان) أما قوله تعالى لايغسله الماء فمعناه محفوظ فى الصدور لايتطرق إِلَيْهِ الذَّهَابُ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَزْمَانِ وأما قوله تعالى تقرأه نَائِمًا وَيَقْظَانَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ يَكُونُ مَحْفُوظًا لك فى حالتى النوم واليقظة وقيل تقرأه فِي يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً) هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَشْدَخُوهُ وَيَشُجُّوهُ كَمَا يُشْدَخُ الْخُبْزُ أَيْ يُكْسَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ نُعِينُكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٍ مُتَصَدِّقٍ مُوَفَّقٍ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ) فَقَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى ذِي قُرْبَى وَقَوْلُهُ مُقْسِطٍ أَيْ عَادِلٍ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم

الصفحة 198