كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 17)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فى مواطن كثيرة ولايمتنع فِي الْعَقْلِ أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ فِي جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ وَيُعَذِّبُهُ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَسَمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ مَنْ يُعَذَّبُ فِيهِ وَسَمَاعِ الْمَوْتَى قَرْعَ نِعَالِ دَافِنِيهِمْ وَكَلَامِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْقَلِيبِ وَقَوْلِهُ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ الْمَيِّتَ وَإِقْعَادِهِمَا إِيَّاهُ وَجَوَابِهُ لَهُمَا وَالْفَسْحِ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَعَرْضِ مَقْعَدِهِ عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَسَبَقَ مُعْظَمُ شَرْحِ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَكِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا ذَكَرْنَا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَمُعْظَمِ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ نَفَوْا ذَلِكَ ثُمَّ الْمُعَذَّبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْجَسَدُ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن كرام وطائفة فقالوا لايشترط إِعَادَةُ الرُّوحِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ وَالْإِحْسَاسَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ قَالَ أصحابنا ولايمنع من ذلك كون الميت قد تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ كَمَا نُشَاهِدُ فِي الْعَادَةِ أَوْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ أَوْ حِيتَانُ الْبَحْرِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُهُ لِلْحَشْرِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَا يُعِيدُ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ أَجْزَاءٍ وَإِنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ فَإِنْ قِيلَ فَنَحْنُ نُشَاهِدُ الْمَيِّتَ عَلَى حَالِهِ فِي قَبْرِهِ فَكَيْفَ يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولايظهر لَهُ أَثَرٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ فانه يجد لذة وآلاما لانحس نَحْنُ شَيْئًا مِنْهَا وَكَذَا يَجِدُ الْيَقْظَانُ لَذَّةً وآلما لما يسمعه أو يفكر فيه ولايشاهد ذلك جليسه مِنْهُ وَكَذَا كَانَ جِبْرَائِيلُ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فيخبره بالوحى الكريم ولايدركه الْحَاضِرُونَ وَكُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا إِقْعَادُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْمَقْبُورِ دُونَ الْمَنْبُوذِ وَمَنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ وَأَمَّا ضَرْبُهُ بِالْمَطَارِقِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوَسَّعَ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَيُقْعَدُ وَيُضْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[2866] قَوْلُهُ (مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ) هذا تنعيم

الصفحة 201