كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 17)

(

كتاب التوبة)
أَصْلُ التَّوْبَةِ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ يُقَالُ تَابَ وَثَابَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَآبَ بِمَعْنَى رَجَعَ وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ هُنَا الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَرْكَانٍ الْإِقْلَاعُ وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ وَالْعَزْمُ عَلَى أن لايعود إِلَيْهَا أَبَدًا فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلَهَا رُكْنٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّحَلُّلُ مِنْ صَاحِبِ ذَلِكَ الْحَقِّ وَأَصْلُهَا النَّدَمُ وَهُوَ رُكْنُهَا الْأَعْظَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي واجبة وأنها واجبة على الفور لايجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أوكبيرة وَالتَّوْبَةُ مِنْ مُهِمَّاتِ الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِهِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَوُجُوبُهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالشَّرْعِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْعَقْلِ وَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ قَبُولُهَا إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا عَقْلًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَلُهَا كَرَمًا وَفَضْلًا وَعَرَفْنَا قَبُولَهَا بِالشَّرْعِ وَالْإِجْمَاعِ خِلَافًا لَهُمْ وَإِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ هَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النَّدَمِ فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ يَجِبُ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجِبُ وَتَصِحُّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ آخَرَ وَإِذَا تَابَ تَوْبَةً

الصفحة 59