كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 17)

مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ لَهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثُ فقالت طائفة لايصح حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَةِ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّاكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَافِرٌ وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَا يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُغْفَرَ لَهُ قَالَ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْعَذَابَ أَيْ قَضَاهُ يُقَالُ مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالثَّانِي إِنَّ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدَرَ عَلَيْهِ رزقه وهوأحد الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نقدر عليه وَقَالَتْ طَائِفَةٌ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَكِنْ قَالَهُ هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولاقاصد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ وَمُعْتَقِدٍ لَهَا بَلْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْشُ وَالْخَوْفُ وَشِدَّةُ الْجَزَعِ بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظُهُ وَتَدَبُّرُ مَا يَقُولُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِلِ وَالنَّاسِي وَهَذِهِ الْحَالَةِ لايؤاخذ فِيهَا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ الْآخَرِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ حِينَ وَجَدَ رَاحِلَتَهُ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ فَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ الدَّهْشِ وَالْغَلَبَةِ وَالسَّهْوِ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فَلَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ أَيْ أَغِيبُ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا مِنْ مَجَازِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَدِيعِ اسْتِعْمَالِهَا يُسَمُّونَهُ مَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّا أواياكم لعلى هدى فَصُورَتُهُ صُورَةُ شَكٍّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا الرَّجُلُ جَهِلَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ جَاهِلِ الصِّفَةِ قَالَ الْقَاضِي وَمِمَّنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ بن جرير الطبرى وقاله أبوالحسن الْأَشْعَرِيُّ أَوَّلًا وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَكْفُرُ بِجَهْلِ الصِّفَةِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ بخلاف حجدها وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ اعْتِقَادًا يَقْطَعُ بِصَوَابِهِ وَيَرَاهُ دِينًا وَشَرْعًا وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنِ اعتقد أن

الصفحة 71