كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 18)

(إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) مَعْنَى تَوَاجَهَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ وَجْهَ صَاحِبِهِ أَيْ ذَاتَهُ وَجُمْلَتَهُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لاتأويل لَهُ وَيَكُونُ قِتَالُهُمَا عَصَبِيَّةً وَنَحْوَهَا ثُمَّ كَوْنُهُ فِي النَّارِ مَعْنَاهُ مُسْتَحِقٌّ لَهَا وَقَدْ يُجَازَى بِذَلِكَ وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُهُ مَرَّاتٍ وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّلُ كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ نَظَائِرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي هَذَا الْوَعِيدِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَقُّ إِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَتَأْوِيلُ قِتَالِهِمْ وَأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ مُتَأَوِّلُونَ لَمْ يَقْصِدُوا مَعْصِيَةً ولامحض الدُّنْيَا بَلِ اعْتَقَدَ كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّهُ الْمُحِقُّ وَمُخَالِفُهُ بَاغٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِتَالُهُ لِيَرْجِعَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ مُصِيبًا وَبَعْضُهُمْ مُخْطِئًا مَعْذُورًا فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لِاجْتِهَادٍ وَالْمُجْتَهِدُ إِذَا أَخْطَأَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْمُحِقُّ الْمُصِيبُ فِي تِلْكِ الْحُرُوبِ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَانَتِ الْقَضَايَا مُشْتَبِهَةٌ حَتَّى إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ تَحَيَّرُوا فِيهَا فَاعْتَزَلُوا الطَّائِفَتَيْنِ وَلَمْ يُقَاتِلُوا وَلَمْ يَتَيَقَّنُوا الصَّوَابَ ثُمَّ تَأَخَّرُوا عَنْ مُسَاعَدَتِهِ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (أرأريت إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلنِي قَالَ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أصحاب النار)

الصفحة 11