كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 7)
يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»، وَوَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ.
قَوْلُهُ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ»، أَرَادَ بِالزَّمَانِ الدَّهْرَ وَسِنِيهِ، قَالَ شِمْرٌ: الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ وَاحِدٌ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْهَيْثَمِ، وَقَالَ: الزَّمَانُ زَمَانُ الْحَرِّ، وَزَمَانُ الْبَرْدِ، وَزَمَانُ الرُّطَبِ، وَيَكُونُ الزَّمَانُ مِنْ شَهْرَيْنِ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالدَّهْرُ لَا يَنْقَطِعُ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الدَّهْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الدَّهْرِ، وَعَلَى مُدَّةِ الدُّنْيَا كُلِّهَا، سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: أَقَمْنَا عَلَى مَاءِ كَذَا دَهْرًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى.
وَقَوْلُهُ: «قَدِ اسْتَدَارَ»، أَيْ: دَارَ.
وَقَوْلُهُ: «وَأَعْرَاضَكُمْ»، هِيَ جَمْعُ الْعِرْضُ، وَالْعِرْضُ: مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الإِنْسَانِ، يُرِيدُ الْأُمُورَ الَّتِي يَرْتَفِعُ الرَّجُلُ، أَوْ يَسْقُطُ بِذِكْرِهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دُونَ أَسْلافِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَسْلافِهِ، فَيَلْحَقُهُ النَّقِيصَةُ بِذِكْرِهِمْ وَعَيْبِهِمْ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، إِلا مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَإِنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْعِرْضُ: الْأَسْلافُ، وَزَعَمَ أَنَّ عِرْضَ الرَّجُلِ نَفْسُهُ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ «لَا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَبُولُونَ إِنَّمَا هُوَ عَرَقٌ يَجْرِي مِنْ أَعْرَاضِهِمْ، مِثْلَ رِيحِ الْمِسْكِ»، يَعْنِي: مِنْ أَبْدَانِهِمْ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ضَمْضَمٍ «اللَّهُمَّ إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي
الصفحة 217