كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 7)
أَسْلافِي الَّذِينَ أُمْدَحُ وَأُذَمُّ بِذِكْرِهِمْ، فَأَتَى بِالْعُمُومِ بَعْدَ الْخُصُوصِ.
قَوْلُهُ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالا»، وَيُرْوَى: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»، مَعْنَاهُ: لَا تَكُنْ أَفْعَالُكُمْ شَبِيهَ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ فِي ضَرْبِ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: لَا تُكَفِّرِ النَّاسَ، فَتَكْفُرَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارِجُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «كُفَّارًا»، يَعْنِي لابِسِينَ السِّلاحَ، يُقَالُ: كَفَّرَ فَوْقَ دِرْعِهِ: إِذَا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا، وَسُمِّيَ الْكَافِرُ كَافِرًا، لِأَنَّهُ يَسْتُرُ بِكُفْرِهِ الإِيمَانَ، وَسُمِّيَتِ الْكَفَّارَةُ كَفَّارَةً، لِأَنَّهَا تُغَطِّي عَلَى الْآثَامِ.
قَوْلُهُ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»، أَيِ: الْبَلْدَةَ الْمُحَرَّمَةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النَّمْل: 91]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [الْبَقَرَة: 126]، وَيُقَالُ: إِنَّ الْبَلْدَةَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَكَّةَ، وَلَهَا أَسْمَاءُ سِوَاهَا.
قَالَ الإِمَامُ: الْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْحَجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْغُدُوِّ إِلَى مِنًى بَعْدَ مَا صَلُّوا الصُّبْحَ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَيَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ الصَّلاةِ خُطَبْتَيْنِ، وَيَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى يَعِظُّهُمْ فِيهَا، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَ النَّحْرِ، وَالرَّمْيِ وَيَخْطُبُ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ خُطْبَةً أُخْرَى يُوَدِّعُ فِيهَا
الصفحة 219