كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 8)
يَرضى الْوَاهِب، كَمَا روى أَبُو هُرَيْرَةَ من هَدِيَّة الأَعْرَابِيّ، وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِيّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ الْهِبَة الْمُطلقَة لَا تَقْتَضِي الثَّوَاب، سَوَاء وهب لنظيره، أَو لمن دونه أَو فَوْقه.
وكلُّ من أوجب الثَّوَاب إِذا لم يُثب، كَانَ للْوَاهِب الرُّجُوع فِي هِبته، قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: من وهب هبة لصلة الرَّحِم، أَو عَليّ وَجه الصَّدَقَة، فإنَّهُ لَا يرجع فِيهَا، وَمن وهب هبة يرى إِنَّمَا أَرَادَ بهَا الثَّوَاب، فَهُوَ على هِبته يرجع فِيهَا إِن لم يرض مِنْهَا.
ورُوي " أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِي امْرَأَة تخرجُ من عِنْد عَائِشَة مَعهَا شيءٌ تحملهُ، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا، فَقَالَت: أهْديتُهُ لعَائِشَة، فَأَبت أَن تقبلَه منِّي، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَة حِين دخل عَلَيْهَا: أَلا قَبِلْتيِه مِنْهَا مَرَّةً وَاحِدة، قَالَت: يَا رسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مُحْتَاجَةٌ، وَهِيَ كَانَتْ أَحْوَجُ إليْهِ مِنِّي، قَالَ: فَهَلا قَبِلْتِيهِ وَأعْطَيْتِهَا خَيْرًا مِنْهُ ".
بَاب قَبْضِ المَوْهُوبِ
2204 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَها جَادَّ عِشْريْنَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالغابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ
الصفحة 302
378