كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 8)
فَلَمَّا نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النِّسَاء: 33] نسخت، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النِّسَاء: 33] من النَّصْر، والرفادة، والنصيحة، وَقد ذهب الْمِيرَاث ويوصي لَهُ.
وَذهب بعضُ أهل الْعلم إِلَى إِثْبَات الْوَلَاء بِعقد الْمُوَالَاة، وَهُوَ قولُ سُفْيَان، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا أسلم على يَد رجُل، فلهُ ميراثهُ ويعقلُ عَنْهُ، وَهُوَ قولُ إِسْحَاق، لما رُوي عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، مَا السّنة فِي الرَّجل من أهل الشّرك يُسلم على يَد رجل من الْمُسلمين؟ قَالَ: «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاه ومَمَاتِهِ» وَهَذَا الْحَدِيث ضعَّفهُ أَحْمَد من قبل إِسْنَاده على أنهُ لَيْسَ فِيهِ ذكرُ الْمِيرَاث، فيُحتمل أَن يكون ذَلِكَ فِي الْمِيرَاث، وَيحْتَمل أَن يكون فِي رعي الذِّمام والإثار بِالْبرِّ، وَمَا أَشبه ذَلِكَ من الْأُمُور، فيُحمل على هَذِه الْمعَانِي دون الْمِيرَاث، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ».
وَلَو أعتق الْيَهُودِيّ، أَوِ النَّصْرَانِي عبدا مُسلما، فيثبتُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاء، وَإِن كَانَ لَا يرثهُ لاخْتِلَاف الدِّين، كَمَا أَنَّ النّسَب لَا يمْتَنع ثُبُوته مَعَ اخْتِلَاف الدَّين، وَإِن كَانَ التوارُثُ مُمْتَنعا حَتَّى لَو أسلم الْمُعْتق ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيق ورثهُ، وَقَالَ مَالِك: لَا وَلَاء عَلَيْهِ بِحَال، وميراثهُ للْمُسلمين، أما إِذا أعتق يَهُودِيّ يَهُودِيّا، ثُمَّ أسلم الْمُعْتق، قَالَ: لَا يبطل ولاؤهُ حَتَّى لَو مَاتَ الْعَتِيق بعد إِسْلَام الْمُعْتق يَرِثهُ الْمُعْتق، وَلَو كَانَ للْمُعْتق ولد مُسْلِم يَرث الْمُعْتق إِذا أسلم الْمُعْتق قبل إِسْلَام الْمُعْتق بالِاتِّفَاقِ، ورُوي عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، أنهُ أعتق عبدا لَهُ نَصْرَانِيّا، فَتوفي فَأمر عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أَن يَجْعَل مالهُ فِي بَيت مَال الْمُسلمين.
الصفحة 351
378