كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 9)

جعل حكم الزِّيَادَة على الْحَوْلَيْنِ، إِذا كَانَ يَسِيرا حكم الْحَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مُدَّة الرَّضَاع ثَلَاثُونَ شهرا، لقَوْله عز وَجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الْأَحْقَاف: 15]، وَهُوَ عِنْد الْأَكْثَرين لأَقل مُدَّة الْحمل، وَأكْثر مُدَّة الرَّضَاع، والفصال: الْفِطَام، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا} [الْبَقَرَة: 233] أَي: فطامًا.
وَقَالَ بَعضهم: مُدَّة الرَّضَاع ثلاثُ سِنِين، وَقد رُوي عَنْ عَائِشَة، أَن أَبَا حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة كَانَ تَبنَّى سالِمًا، وأنكحه بنتَ أَخِيه هِنْد بنت الْوَلِيد بْن عتبَة، وَهُوَ مَوْلَى لامْرَأَة من الْأَنْصَار، كَمَا تبنَّى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيدا، وَكَانَ من تبنى رجلا فِي الْجَاهِلِيَّة، دَعَاهُ النَّاس إِلَيْهِ، وَورث من مِيرَاثه حَتَّى أنزل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ إِلَى قَوْله: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الْأَحْزَاب: 5]، فَردُّوا إِلَى آبَائِهِم، فَمن لم يعلم لَهُ أبٌ، كَانَ مَوْلَى وأخا فِي الدِّين، فَجَاءَت سهلة بنت سُهيل بْن عَمْرو امْرَأَة أَبِي حُذَيْفَة، فَقَالَت: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّا كُنَّا نرى سالما ولدا، فَكَانَ يراني فُضلا، وَقد أنزل اللَّه فيهم مَا قد عَلِمْتَ، فَكيف ترى؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْضِعِيه خَمْسَ رَضَعَاتٍ تَحْرُمِي عَلَيْه».
فَأخذت بذلك عَائِشَة فِيمَن كَانَت تحب أَن يدْخل عَلَيْهَا من الرِّجَال، فَكَانَت تَأمر أُخْتهَا أمَّ كُلْثُوم، وَبَنَات أَخِيهَا أَن يُرضعن من أحبت أَن يدخلَ عَلَيْهَا من الرِّجَال خمس رَضعَات، وأبى سَائِر أَزوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يدْخل عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرضَاعَة أحد من النَّاس، وقلن: مَا نرى الَّذِي أَمر بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهلة إِلا رخصَة فِي سَالم وَحده، لَا يدْخل علينا بِهَذِهِ الرضَاعَة أحد.

الصفحة 85