كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 11)

قوْل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «منْ قتل قتِيلا فلهُ سلبُهُ»، ولمْ يكن بيْنهُما مبارزة، ثُمّ جعل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمِيع سلبِه لهُ، فَكَانَ ذلِك القَوْل من الرّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرع حُكمٍ، وَهَذَا قولُ جمَاعَة من أهْل الْعِلْمِ من أصْحاب النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ أَن جمِيع سلب الْمَقْتُول لقاتله، وَإِن لمْ يكن الإِمام نَادَى بِهِ، وَلَا يُخمّس عِنْد كثير مِنْهُم، وإِليْهِ ذهب الأوْزاعِي، والشّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْر، غيْر أَن الشّافِعِي يشرطُ أَن يكُون الْكَافِر الْمَقْتُول مُقبلا على الْقِتَال، فَأَما بعد مَا ولّى ظَهره مُنْهَزِمًا إِذا قَتله، أوْ أجهز على جريح عجز عنِ الْقِتَال، فَلَا يسْتَحق سلبه إِلَّا أَن يكُون الْقَاتِل هُو الّذِي هَزَمه أوْ أثخنه.
وَقَالَ بعْضهم: يُخمّسُ السَّلب، فخمسُه لأهل الخُمس، وَالْبَاقِي للْقَاتِل، رُوِي ذلِك عنْ عُمر، وهُو قوْل آخر للشَّافِعِيّ، وَالْأول أولى، لِأَنَّهُ كَمَا اختصّ بِهِ من بيْن سَائِر الْغَانِمين، كذلِك يختصُّ بِهِ من بيْن أهل الخُمس، وَقَالَ إِسْحاق: السلبُ للْقَاتِل إِلَّا أَن يكُون كثيرا، فَرَأى الإِمام أَن يخرج مِنْهُ الخُمس، كَمَا فعل عُمر بْن الْخطّاب رضِي اللهُ عنْهُ فَلهُ ذلِك.
وَذهب قوْمٌ إِلى أنّهُ نَادَى الإِمام أَن من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه، فَيكون لهُ على وَجه التَّنْفِيل، فَأَما إِذا لمْ يكن سبق النداء فَلَا يسْتَحقّهُ، وهُو قوْل مالِك، والثّوْرِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وَقَالَ أحْمد: إِنّما يستحقُّ السَّلب من قتل قِرنه فِي المبارزة دُون من لمْ يُبارز.
والسلبُ الّذِي يسْتَحقّهُ الْقَاتِل كلُّ مَا يكُون على الْمَقْتُول من ثوب، وسِلاحٍ، ومنطقةٍ، وفرسه الّذِي هُو رَاكِبه، أوْ مُمسِكه، هَذَا قوْل الشّافِعِي رضِي اللهُ عنْهُ.
وَقَالَ الأوْزاعِي: لهُ فرسه الّذِي قَاتل عليْهِ، وسلاحه، وتاجه، ومنطقته، وخاتمه، وَمَا كَانَ فِي سَرْجه وسلاحه من حُليه،

الصفحة 108