كتاب شرح السنة للبغوي (اسم الجزء: 11)

وَهَذَا معنى قوْل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لي مِمّا أَفَاء الله عليْكُمْ إِلّا الخُمُس، والخُمُسُ مرْدُودٌ فِيكُم».
قَالَ الإِمامُ: وقوْله يوْم بدر: «منْ فعل كَذَا فلهُ كَذَا»، فهُو أيْضًا من خَاص حَقه، لِأَن الْأَنْفَال يوْمئِذٍ كَانَت لهُ خَاصَّة، كَمَا قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 1]، وَذهب بعْضُهُمْ إِلى أَن النَّفْل من الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس بعد إِخْرَاج الْخمس، وهُو قوْل أحْمد، وَإِسْحَاق، لما رُوِي عنْ حبيب بْن مسلمة الفِهري، قَالَ: كَانَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ينفل الثُّلُث بعد الْخمس».
قَالَ الإِمامُ: وقدْ صَحَّ فِي حَدِيث ابْن شهَاب، عنْ سَالم، عنِ ابْن عُمر، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ كَانَ «يُنفِّلُ بعْض منْ يبْعثُ مِن السّرايا لأنْفُسِهِمْ خاصّةً سِوى قسمِ عامّةِ الجيْشِ» والخُمُسُ فِي ذلِك واجِبٌ كُلُّهُ.
وَذهب بعْضُهُمْ إِلى أَن النَّفْل من رَأس الْغَنِيمَة، كَمَا أَن السَّلب يكُون من جملَة الْغَنِيمَة قبل الْخمس، وهُو قوْل أبِي ثَوْر، لما رُوِي عنْ مُحمّد بْن إِسْحاق، عنْ نافِعٍ، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: «بعث رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرِيّةً إِلى نجْدٍ»، فخرجْتُ مَعهَا، فأصبْنا نِعمًا كثيرا فنفّلنا أمِيرُنا بعِيرًا لِكُلِّ إِنْسانٍ، ثُمّ قدِمْنا على رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فقسم بيْننا غنِيمتنا»، فَأصَاب كُلُّ رجُلٍ مِنّا اثْنا عشر بَعِيرًا بعْد الخُمُس، «وَمَا حاسبنا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالّذي أعْطانا، وَلَا عَابَ عليْهِ مَا صنع»، فَكَانَ لِكُلِّ رجُلٍ مِنّا ثَلَاثَة عشر بَعِيرًا.
قَالَ مالِك: ذلِك على وَجه

الصفحة 114