كتاب شرح أبي داود للعيني (اسم الجزء: 2)

مسلم (1) ": " وقال أبو حنيفة: الإقامة سَبع عشرة كلمة؛ وهذا المذهب
شاذّ " قول واهي، لا يُلتفت إليه؛ وكيف يكون شاذا مع وجود هذه
الدلائل الصحيحة؟ غاية ما في الباب كان ينبغي أن يقول على زعمه: إن
هذا القول مَرجوح، أو قول غيره أقوى منه؛ على أن قول أبي حنيفة في
هذا الباب أقوى وأجدر بالعمل من وجوه؛ الأول: كثرة الدلائل من
الأخبار والآثار الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان، والثاني: أن
قوله: " أُمِر بلال لما قد قيل فيه: إن الآمر فيه مُبهم، يحتمل أن
يكون رسول الله، ويحتمل أن يكون غيره، وقد قيل: إن الآمر بذلك:
أبو بكر، وقيل: عُمر؛ فحصل فيه احتمالات. وقال الشيخ محيي
الدين (2) : " إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي وهو رسول
الله؛ ومثل هذا اللفظ: قول الصحابي: " أُمرنا بكذا " أو " نُهينا عن كذا "
و" أُمر الناس بكذا " ونحوه فكله مرفوع سواء قال الصحابيّ ذلك في حياة
رسول الله أم بعد وفاته ".
قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق ينشاً وجوه الاحتمالات، وقوله
" سواء " إلى آخره غير مسلم؛ لجواز أن يقول الصحابيّ بعد الرسول:
" أُمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " ويكون الآمر أو الناهي أحد الخلفاء
الراشدين. والثالث: أن بعضهم ادّعوا أن حديث أبي محذورة ناسخ
لحديث أنس هذا قالوا: وحديث بلال إنما كان أول ما شرعِ الأذان- كما
دلّ عليه حديث أنس- وحديث أبي محذورة كان عام حُنين وبينهما مدةٌ
مَديدة.
فإن قيل: شرط الناسخ: أن يكون أصح سندا، وأقوى من جميع
جهات الترجيح، وحديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس من جهة
واحدة، فضلا عن الجهات كلها. قلنا: لا نسلم أن من شرط/الناسخ
ما ذكر؛ بل يكتفى فيه أن يكون صحيحًا متأخراً، معارضا، غير ممكن
__________
(1) (4/78) .
(2) المصدر السابق

الصفحة 455