كتاب شرح أبي داود للعيني (اسم الجزء: 3)

الرابع: إن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة، كما نقلوه لكان هذا
معروفا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه، ولم ينقل ذلك عنهم،
بل الشاميون كلهم: خلفاؤهم، وعلماؤهم كان مذهبهم ترك الجهر بها،
وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل، لا أصل له، والأوزاعي إمام الشام، ومذهبه في ذلك مذهب مالك: لا يقرأها سرا
ولا جهرا، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية، ومعلوم أن معاوية قد
صلى مع النبي- عليه السلام- فلو سمع النبي- عليه السلام- يجهر
بالبسملة " تركها حين يُنكر علي رعيتُه أنه لا يحسن يصلي، وهذه الوجوه
من تدبرها علم أن حديث معاوية باطل، ومغير عن وجهه، وقد يتمحل
فيه، ويقال: إن كان هذا الإنكار على معاوية محفوظا فإنما هو إنكار لترك
إتمام التكبير / لا لترك الجهر بالبسملة، ومعلوم أن ترك إتمام التكبير كان [1/266-أ] مذهب الخلفاء من بني أمية وأمرائهم على البلاد، حتى أنه كان مذهب
عمر بن عبد العزيز وهو: عدم التكبير حين يهوي ساجدا بعد الركوع،
وحين يسجد بعد القعود، وإلا فلا وجه لإنكارهم علي ترك الجهر بالبسملة، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، وغيرهم من أكابر الصحابة،
ومذهب أهل المدينة أيضاً، وبالجملة فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح، بل فيها عَدمهما، أو عدم أحدهما وكيف تكون صحيحة
وليست مخرجة في الصحيح، ولا المسانيد، ولا السنن المشهورة، وفي
رواتها: الكذابون، والضعفاء، والمجاهيل الذين لا يوجدون في
التواريخ، ولا في كتب الجرح والتعديل كعمرو بن شمر، وجابر الجعفي،
وحصين بن مخارق، وعمر بن حفص المكي، وعبد الله بن عمرو بن
حسان الواقعي، وأبي الصلت الهروي الملقب " بجراب الكذاب "،
وعمر بن هارون البلخي، وعيسى بن ميمون المدني، وآخرون وكيف
يجوز أن يعارض برواية هؤلاء ما رواه البخاري، ومسلم في " صحيحيهما "
من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الأثبات، ومنهم:
قتادة الذي كان أحفظ أهل زمانه، ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في

الصفحة 425