كتاب شرح أبي داود للعيني (اسم الجزء: 3)

الحديث، وتلقاه الأئمة بالقبول، ولم يضعفه أحد بحجة إلا ركب هواه، وحمله فرط التعصب على أن علله، ورده باختلاف ألفاظه، مع أنها ليست مختلفة، بل يصدق بعضها بعضا- كما بيناه- وعارضه بمثل حديث ابن عمر الموضوع، أو بمثل حديث عليّ الضعيف، ومتى وصل الأمر إلى مثل هذا، فجعل الصحيح ضعيفاً، والضعيف صحيحا، والمعلل سالماً من التعليل، والسالم من التعليل معللاً سقط الكلام، وهذا ليس بعدل، والله أمر بالعدل، ولكن كل هذا من التعصب الفاسد، والغرض الكاسد، وهذا تَمْشِية للباطل، والله يحق الحق ويبطل الباطل، ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم، ومسائْل الدين، فالبخاري مع شدة تعصبه، وفرط تحمله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثا واحدة، والله تعالى يدري، ويعلم ما جهد وتعب في تحصيل حديث صحيح في الجهر، حتى يخرجه في " صحيحه " فما ظفر به، ولو ظفر به ما تركه أصلاً، وكذلك مسلم - رحمه الله- لم يذكر شيئاً من ذلك، ولم يذكرا في هذا الباب إلا حديث أنس الدال على الإخفاء.
فإن قيل: إنهما لم يلتزما أن يودعا في " صحيحيهما " كل حديث صحيح، فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة. قلت: هذا لا يقوله إلا كل سخيف، أو مكابر، فإن مسألة الجهر بالبسملة من أعلام المسائل، ومعضلات الفقه، ومن أثرها دورانا في المناظرة، وجولانا في المصنفات، والبخاري كثيرا ما يتتبع " يرد على أبي حنيفة من السُّنَّة، فيذكر الحديث، ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا وكذا، يشير به إليه، وشنع به علي، وكيف يخلي كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة وهو يقول في أول كتابه: " باب الصلاة من الإيمان "، ثم يسوق أحاديث الباب، ويقصد الرد على أبي حنيفة قوله: " إن الأعمال ليست من

الصفحة 426