كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 4)

وقد اعترض جماعة على الاحتجاج بحديث جابر المذكور على نسخ الوجوب، فقالوا: لا دلالة فيه لأنه مختصر من الحديث الطويل الذي رواه أبو داود وغيره عن جابر رضي الله عنه. وقد تقدم في كلام أبي داود. فقوله: آخر الأمرين يريد هذه القضية، وأن الصلاة الثانية هى آخر الأمرين، يعني آخر الأمرين من الصلاتين لا مطلقا.
وممن قال بهذا التأويل أبو داود كما تقدم، والزهري، وغيرهما، قالوا: إن أحاديث الأمر بالوضوء متأخرة ناسخة لأحاديث ترك الوضوء.
قال النووي رحمه الله: وهذا الذي قالوه ليس كما زعموا. فأما تأويلهم حديث جابر فهو خلاف الظاهر بغير دليل، فلا يقبل، وهذه الرواية المذكورة لا تخالف كونه آخر الأمرين فلعل هذه القضية هي آخر الأمر، واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء. ويجوز أيضا أن يكون ترك الوضوء قبلها فإنه ليس فيها أن الوضوء كان لسبب الأكل. وأما دعواهم النسخ فهي دعوى بلا دليل، فلا تقبل.
وروى البيهقي رحمه الله عن الإمام الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي شيخ مسلم: قال: اختلف في الأول من هذه الأحاديث فلم نقف على الناسخ منها ببيان يحكم به، فأخذنا بإجماع الخلفاء الراشدين والأعلام من الصحابة رضي الله عنهم في الرخصة في ترك الوضوء مع أحاديث الرخصة (¬1).
وذهب بعضهم إلى الجمع بين الأحاديث بأن أحاديث الأمر بالوضوء محمولة على الاستحباب، وهذا ما جنح إليه الخطابي، والمجد بن تيمية. قال في المنتقى: وهذه النصوص- يعني الأحاديث الدالة على ترك
¬__________
(¬1) المجموع بتصرف ج 2 ص 57 - 58.

الصفحة 105