كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 4)

الوضوء مما مست النار- إنما تنفي الإيجاب لا الاستحباب، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله أنتوضأ" من لحوم الغنم؟
قال: "أن شئت فتوضأ، "وإن شئت فلا تتوضأ"، ولولا أن الوضوء من ذلك مستحب لما أذن فيه، لأنه إسراف وتضييع للماء بغير فائدة. اهـ ج 1 ص 317. نيل
قال الجامع عفا الله عنه: وفي قوله لأنه إسراف ... الخ نظر، لأن تكرار الوضوء ليس فيه إسراف، سواء أديت به عبادة أم لا؟ لأن أحاديث فضائل الوضوء، كحديث "إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض، خرجت خطاياه من فيه" الحديث مطلقة عن التقييد بأداء عبادة بالأول.
وأما قول بعض الفقهاء بكراهة الوضوء على الوضوء من غير أداء عبادة بالأول فمما لا دليل عليه. فتبصر.
وقد حقق العلامة أبو الأشبال أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى هذه المسألة فيما كتبه على الترمذي بما شفى وكفى، وأنا أنقل خلاصته لنفاسته: قال رحمه الله تعالى:
اختلف العلماء في وجوب الوضوء مما مست النار، والذي نرجحه، ونذهب إليه عدم الوجوب -إلا في لحوم الإبل- وأن أحاديث الرخصة ناسخة للأمر السابق لها بإيجاب الوضوء منه، وقد تأول بعض أصحابنا من أهل العلم أحاديث الرخصة بأنها ليست نصا في نسخ الأمر، لاحتمال أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك خصوصية له.
ويرد عليه أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح، وأيضا فإن حديث جابر رضي الله عنه المفصل الذي نقلناه من مسند أحمد ج 3 ص 374 - صريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أكل، وأكل القوم معه، ثم نهض فصلى بنا العصر وما مس ماء ولا أحد من القوم ". وهذا قاطع في نفي الخصوصية. وأما

الصفحة 106