كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 4)

إنما هو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا ولم يتوضأ. كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر. ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه.
وقال أبو داود في السنن عقيب روايته: وهذا اختصار من الحديث الأول- يعني الحديث الذي رواه قبله من طريق ابن جريج، عن ابن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه "قربت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خبزا ولحما فأكل ثم دعا بوَضوء، فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم
قام إلى الصلاة ولم يتوضأ".
فكأن أبا داود يريد أن يفهم أن قول جابر رضي الله عنه -في رواية شعيب- آخر الأمرين -يعني به آخر الفعلين في هذه الواقعة المعينة، كان عمله الأول فيها أن توضأ بعد الأكل، وعمله الثاني أن صلى بعد الأكل ولم يتوضأ ومن الواضح أن هذا تأويل بعيد جدا، يخرج به الحديث عن ظاهره، بل يحيل معناه عما يدل عليه لفظه وسياقه.
ورَمْيُ الثقات الحفاظ بالوهم بهذه الصفة، ونسبة التصرف الباطل في ألفاظ الحديث إليهم حتى يحيلوها عن معناها قد يرفع من نفوس ضعفاء العلم الثقة بالروايات الصحيحة جملة.
وشعيب بن أبي حمزة الذي رواه عن ابن المنكدر ثقة متفق عليه، حافظ أثنى عليه الأئمة، كما قال الخليلي. وعلي بن عياش الذي رواه عن شعيب ثقة حجة كما قال الدارقطني. ونسبة الوهم إلى مثل هذين الراويين أو أحدهما يحتاج الى دليل صريح أقوى من روايتهما، وهيهات أن يوجد. ولهذا قال ابن حزم في المحلى -1/ 243 - : القطع بأن الحديث مختصر من هذا قول بالظن، والظن أكذب الحديث. بل هما حديثان كما وردا.

الصفحة 109