كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 4)

وقال السندي رحمه الله: قوله: أعوذ برضاك: أي متوسلا برضاك من أن تسخط علي وتغضب. انتهى، وقيل: أي أسألك الرضا عوضا من السخط. أفاده السيوطي.
(و) أعوذ (بمعافاتك) مصدر عافاه، من العفو، وهو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، وأصله: المحو والطمس، يقال: عَفَا يَعْفُو عَفْوًا فهو عَاف، وعَفُوّ، وقال ابن الأنباري في قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}: محا الله عنك، مأخوذ من قولهم: عفت الرياح الآثار تعفو عفوا، لفظ اللازم والمتعدي سواء. أفاده في اللسان. ج 4 ص 3018 (من عقوبتك) أي تعذيبك.
قال القاضي عياض رحمه الله: رضى الله، وسخطه، ومعافاته، وعقوبته، من صفات كماله، فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب، ومن الشر إلى الخير.
وقال القرطبي رحمه الله: ثم ترقى عن الأفعال إلى منشىء الأفعال، فقال: (وأعوذ بك منك) مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق (¬1)، وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول، ولا يضبطه صفة، وقوله (لا أحصى ثناء عليك) أي لا أطيقه، أي لا، أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته كما قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة: "فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن"، وروى مالك لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك، وإن اجتهدت في ذلك، والأول أولى، لما ذكرناه، ولقوله في الحديث (أنت
كما أثنيت على نفسك) ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عند ما ظهر له من
¬__________
(¬1) في هذه العبارة نظر لا يخفى، لأنها تستلزم أن ما تقدم من الرضا، والسخط، والمعافاة، والمعاقبة من جملة الخلق، والحق أنها من صفاته تعالى، كالعلم والقدرة، وغيرهما. فتنبه.

الصفحة 21