كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 4)

قال الجامع: يحتمل حمل كلام أبي هريرة رضي الله عنه هنا على المعنيين: فيكون المعنى على الأول، أي أعلم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "توضئوا" ويكون معناه الإخبار في الحال بذلك.
ويكون المعنى على الثاني: أحلف بالله على ذلك، ويكون مما حذف منه المقسم به لكثرة الاستعمال، وهذا الوجه أوضح.
وقال العلامة الفيومي رحمه الله في كتابه الممتع "المصباح المنير":
(فائدة) جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة:
أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشيء نحو أعلم، وأتيقن، وهو موافق لألفاظ الكتاب والسنة أيضا، فكان كالإجماع على تعيين هذه اللفظة دون غيرها، ولا يخلو من معنى التعبد، إذ لم ينقل غيره، ولعل السر فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة، وهي الاطلاع على الشيء عيانا فاشتُرطَ في الأداء ما ينبىء عن المشاهدة، وأقرب شيء يدل على ذلك ما اشتق من اللفظ، وهو أشهد، بلفظ المضارع، ولا يجوز شهدت، لأن الماضي موضوع للإخبار عما وقع، نحو قمت، أي فيما مضى من الزمان، فلو قال: شهدت احتمل الإخبار عن الماضي، فيكون غير مخبر به في الحال وعليه قوله تعالى حكاية عن أولاد يعقوب عليهم السلام: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} لأنهم شهدوا عند أبيهم أولا بسرقته حين قالوا: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ}، فلما اتهمهم اعتذورا عن أنفسهم بأنهم لا صنع لهم في ذلك، وقالوا: وما شهدنا عندك سابقًا بقولنا: إن ابنك سرق إلا بما عايناه من إخراج الصواع من رحله، والمضارع موضوع للإخبار في الحال، وعليه قوله تعالى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، أي نحن الآن شاهدون بذلك، وأيضا فقد استعمل أشهد في القسم، نحو أشهد بالله لقد كان كذا، أي أقسم، فتضمن

الصفحة 63