كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 4)

أصحاب الشافعي هو سلوك طريقة الترجيح.
وعن ابن المنذر وغيره سلوك النسخ، وبالنسخ قال الخطابي، وقواه ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبًا ولا يفسد صومه. ويقوي ذلك أن قول الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - "قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر" يدل على أن ذلك كان بعد نزول الآية، وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، ويؤيد دعوى النسخ رجوع أبي هريرة عن الفتوى بذلك كما في رواية للبخاري "أنه لما أخبر بما قالت أم سلمة وعائشة، فقال: هما أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية ابن جريج فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك"، وكذا وقع عند النسائي أنه رجع، وكذا عند ابن أبي شيبة، وفي رواية للنسائي أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس، ووقع نحو ذلك في البخاري، وقال: إنه حدثه بذلك الفضل. وفي رواية أنه قال: حدثني بذلك أسامة.
وأما ما أخرجه ابن عبد البر عن أبي هريرة أنه قال: "كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر، وإن ذلك من كيس أبي هريرة" فقال الحافظ: لا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك.
ومن حجج من سلك طريق الترجيح ما قاله ابن عبد البر أنه صح وتواتر حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي بذلك، وأيضا رواية اثنين مقدمة على رواية واحد، ولاسيما وهما زوجتان للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والزوجات أعلم بأحوال الأزواج، وأيضًا: روايتهما موافقة للمنقول، وهو ما تقدم

الصفحة 96