كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 7)

ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق، والشفق يقع في اللغة على الحمرة، وعلى البياض، فإن ذلك كذلك، فلا يجوز أن يخص قوله عليه السلام بغير نص، ولا إجماع، فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقًا، فقد خرج وقت المغرب، ودخل وقت العتمة، ولم يقل عليه السلام قط: حتى يغيب كل ما يسمى شفقًا.
وبرهانٌ قاطعٌ، وهو أنه قد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد وقت العتمة بأن أوله إذا غاب الشفق، وآخره ثلث الليل الأول، ورُوِيَ أيضًا نصف الليل، وقد عَلِمَ كلُّ من له علم بالمطالع، والمغارب، ودَوَرَان الشمسِ:
أن البياض لا يغيب، إلا عند ثلث الليل الأول، وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت فيه، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين. فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض بلا شك (¬1)، فإن ذلك كذلك، فلا قول أصلا، إلا أنه الحمرة بيقين، إذ قد بطل كونه البياض.
واحتج من قَلَّدَ أبا حنيفة بأن قال: إذا صلينا عند غروب البياض، فنحن على يقين بإجماع أننا قد صلينا عند الوقت، وإن صلينا قبل
¬__________
(¬1) قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المحلى": هذه القطعة من أبدع حجج ابن حزم، وأمتنها، وقد نقل الشوكاني معناها في نيل الأوطار جـ 1 ص 411 عن شرح الترمذي لابن سيد الناس، وأنا أظن أنه أخذها عن ابن حزم، ويكاد يكون لفظهما متحدًا. اهـ. جـ 1 ص 193.

الصفحة 108