كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 7)

يعيشان من نقل الحطب على حمارين لهما، وكان أبي تاجرًا في سوق القُمَاش.
فكنت أخدم الشيخ خدمة العبيد الناصحين، فأتيت له صبيحة يوم بارد، فقلت: هل من حاجة؟ قال: نعم، ليس عندنا ماء، ثم أخرج إليّ سَطلًا من نحاس وقُلَّة يسعان أربعين رطلًا من الماء، والماء من بيته على مسافة بعيدة، فأتيت بنحو اثني عشر نَقْلَة حتى امتلأ الزِّير (¬1)، وجميع أواني الدار.
ثم سلمت عليه، وأردت الخروج، وأنا في غاية التعب، قد ابْتَلَّتْ ثيابي، وامتلأت بالطين، وأنا أرتعد من البرد، فلما رأى ما بي، قال: اقعد حتى أعطيك مسألة جليلة، فقعدت معه.
فقال: ذكر صاحب الدار (¬2) المكنون إنه وصل رجل إلى أشبيلية يقصد قراءة الحديث على أبي بكر الحافظ، فلما قرأ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لم تصفر الشمس"، وفي الحلقة جماعة من الطلبة، فيهم أبو بكر الشلوبين، فقال الشيخ: كيف تضبطون الراء من قوله: "ما لم تصفر الشمس"، فقالوا بأجمعهم بالفتح، ما عدا أبا بكر، فإنه بقي ساكتًا.
فأنشد الشيخ:
أورَدَها سَعدٌ وَسَعْدٌ مُشْتَمِلْ ... مَا هَكَذَا يا سَعْدُ تورَدُ الإِبلْ
¬__________
(¬1) الزِّيرُ بالكسر: الدَّنُّ. اهـ "ق".
(¬2) هكذا الدار ولعله الدُّرّ المكنون.

الصفحة 51