كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 13)

(المسألة الرابعة): في فوائده:
(منها) ما بوب له المصنف، وهو استحباب تزيين القرآن بالصوت الحسن (ومنها): استحباب الاستماع لقراءة قارئ حَسَن الصوت، وسيأتي نقل الإجماع على ذلك، إن شاء الله تعالى.
وقد أخرج ابن أبي داود من طريق ابن أبي مسجعة، قال: "كان عمر - رضي الله عنه - يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم". (¬1)
(ومنها): إثبات صفة الأذَن -بفتحتين- بمعنى الاستماع لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله، وأما ما قاله السندي وغير من أنه لما كان الاستماع على الله تعالى محالا، لأنه شأن من يختلف سماعه بكثرة التوجه، وقلته، وسماعُهُ تعالى لا يختلف قالوا: هذا كناية عن تقريب القارئ، وإجزال مثوبته. انتهى. فغير صحيح؛ لأن قولهم هذا مبني على معنى الاستماع الذي ينسب إلى المخلوق؛ لأنهم لم يفهموا معنى الاستماع إلا بالمعنى الذي ذكروه، وهذا خطأ، فإن الاستماع الذي يكون لله سبحانه وتعالى غير الاستماع الذي يكون للمخلوق، وإننا إذ نثبت لله تعالى صفاته العلية لا نثبتها بمعناها الذي يكون للمخلوق، وإنما نثبتها بالمعنى الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى. فتبصر بالإنصاف، ولا تتهَوَّر بالاعتساف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(ومنها): استحباب التغني بقراء القرآن بشرط أن لا يُخِلّ بقوانين الأداء، كما قرره أهل القراءة. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسأله الخامسة): في اختلاف أهل العلم في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يتغنى بالقرآن": قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: تفسيره: يستغني به. وإليه ميل البخاري -رحمه الله-. قال الحافظ -رحمه الله-: ويمكن أن يُستأنس له بما أخرجه أبو داود، وابن الضريس، وصححه أبو عوانة عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهَيك، قال: لقيني سعد بن أبي وقاص، وأنا في السوق، فقال: تجار كسبة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن". وقد ارتضى أبو عبيد تفسير "يتغنى" بيستغني، وقال: إنه جائز في كلام العرب، وأنشد الأعشى: [من المتقارب]
وَكُنْتُ امْرَأً زَمَنَا بِالْعِرَاقِ ... خَفِيفَ الْمُنَاخِ طَوِيلَ التَّغَنِّي
أي كثير الاستغناء. وقال المغيرة بن حَبْنَاء: [من الطويل]
كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ ... وَنَحْنُ إِذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِياَ
¬__________
(¬1) راجع "الفتح" جـ 10 ص 114.

الصفحة 19