كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 13)

موضح جرّ نُوِّنَ "مالك"، وجُرّ "ابن"؛ لأنه ليس "ابن" صفة لمالك. وهذا من المواضع التي يتوقف فيها صحة الإعراب على معرفة التاريخ (¬1).
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى) أي إذا دخل في الصلاة. وأراد به السجود، لما في رواية مسلم من طريق عمرو بن الحارث: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد يُجَنِّح في سجوده حتى يُرَى وَضَحُ إبطيه". و"الوَضَح" بفتحتين: البياض. وفي رواية له من طريق الليث: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد فرّج يديه عن إبطيه، حتى إني لأرى بياض إبطيه".
(فرّج بين يديه) يحتمل أن يكون من الفَرْج ثلاثيا، وهو الفتح، أو من التفريج رباعيا.
والمراد أنه فتح بينهما، وبين ما يليهما من الجنب، حتى يستقيم معه قوله: "حتى يبدو"، فليس المتعدد الذي يُضاف إليه لفظُ "بين" لفظَ "يديه"، بل هو أحد طرفي المتعدد، والطرف الثاني محذوف، وهذا معنى قول الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح": أي نحّى كلَّ يد عن الجنب الذي يليها. أفاده السندي رحمه الله تعالى (¬2) ..
قال القرطبي رحمه الله تعالى: الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه، ولا يتأثر أنفه، ولا جبهته، ولا يتأذى بملاقاة الأرض.
وقال غيره: هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان.
وقال ناصر الدين ابن المُنَيِّر -رحمه الله- في "الحاشية": الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه، ويتميز، حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقلّ كل عضو بنفسه، ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده، وهذا ضدّ ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض، لأن المقصود هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد.
وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بإسناد صحيح، أنه قال: "لا تفترش افتراش السبع، وادعم على راحتيك، وأبد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك".
ولمسلم من حديث عائشة - رضي الله عنهما -: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفترش الرجل ذراعيه افتراشَ السبع".
¬__________
(¬1) اعترضه الصنعاني بأنه لم يسق فيه الأنساب ليعرف أن هذا ليس أبا لهذا، ولا ابنا له، ونحو ذلك. اهـ.
"فتح" ج 2 ص 553 - 554.
(¬2) "شرح السندي " ج 2 ص 212.

الصفحة 323