كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 13)

(المسألة الخامسة): في اختلاف العلماء في جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي:
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم في سجود المرء على ثوبه في الحرّ والبرد، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - يقول: إذا إشتدّ الحر، فليسجد على ثوبه، وقال عباس بن سهل: أدركت الناس في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يضعون أيديهم على الثياب، يتقون بها حرّ الحصى.
وممن رخص في السجود على الثوب في الحرّ والبرد إبراهيم النخعي، والشعبي، ورخص طاوس، وعطاء في السجود على الثوب في الحرّ. وكان مالك بن أنس، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأى لا يرون بأسا بالسجود على الثوب في الحر والبرد.
وكان الشافعي يقول: ولو سجد على جبهته، ودونها ثوب لم يجزه. إلا أن يكون جريحا، فيكون ذلك عذرا، وأحب أن يباشر براحتيه الأرض، فإن سترهما من حرّ، أو برد فسجد عليهما، فلا إعادة عليه.
قال ابن المنذر -رحمه الله-: أقول كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ومن تبعه من أهل العلم (¬1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي رجحه الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى من جواز السجود على الثوب المتصل، سواء تحرك بحركة المصلي أم لا، هو الراجح عندي، لما تقدم في المسألة الرابعة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في السجود على كور العمامة:
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: وأختلفوا في السجود على كور العمامة، فروي عن علي أنه قال: ليرفعها عن جبهته، ويسجد علي الأرض، وحسر عبادة بن الصامت العمامة عن جبهته، وكره السجود عليها ابن عمر.
وقال مالك: أحب أن يرفعها عن بعض جبهته حتى يمس بعض جبهته الأرض.
وقال الشافعي: لا يجوز السجود عليها. وقال أحمد: لا يعجبني إلا في الحرّ والبرد، وكذلك قال إسحاق.
ورخصت طائفة في السجود على كور العمامة، وممن رخص فيه الحسن البصري،
¬__________
(¬1) "الأوسط" ج 3 ص 177 - 178.

الصفحة 354