كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 13)

"الأدب المفرد" من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يصلي، فقضى صلاته يثني على الله بما هو أهله، ثم يكون آخر كلامه: "اللَّهم اجعل في قلبي نورا". . . الحديث.
وأجاب الحافظ رحمه الله تعالى بأنه كان يقول ذلك عند القرب من فراغه. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الأظهر عندي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول هذا الدعاء في سجوده، وعند فراغه من صلاته، وحينما يخرج إلى المسجد.، فبهذا تجتمع الروايات، والله تعالى أعلم.
(اللَّهم اجعل في قلبي نورًا) التنوين للتعظيم، أي نورًا عظيما.
والنور في الأصل: ما يتبين به الشيء حسيا كان، أو معنويًا.
وقَدَّمَ القلب لشرفه، لكونه ملك الأعضاء، إذ هو المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، فإذا استنار القلب فاض نوره على البدن كله، فتنشط الأعضاء للطاعة، كما قال بعضهم: [من الخفيف]
وَإِذَا حَلَّتِ الهِدَايَةُ قَلبًا ... نَشِطَتْ للْعِبَادَةِ الأَعْضَاءُ
(واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من تحتي نورا، واجعل من فوقي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا) أي في جانبي، أو في جارحتي (واجعل أمامي نورًا) أي قدامي نورا يسعى بين يديّ (واجعل خلفي نورًا) أي ليتبعني أتباعي، ويقتدي بي أشياعي.
والمعنى: اجعل في كل عضو من هذه الأعضاء، وفي كل جهة من هذه الجهات نورا، أهتدي به في اتباع الحق، والعمل به، ويهتدي به من أراد اتباعي على الحق.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: أراد ضياء الحق، وبيانه، كأنه قال: اللَّهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحقّ، واجعل تصرفي وتقلّبي فيها على سبيل الصواب والخير. انتهى (¬1)
وقال النووي -رحمه الله-: قال العلماء رحمهم الله: سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد به بيان الحقّ، وضياؤه، والهداية إليه، فسأل النور في جميع أعضائه، وجسمه، وتصرفاته، وتقلباته، وحالاته، وجملته في جهاته الستّ حكى لا يزيغ شيء منها عنه. انتهى (¬2)
¬__________
(¬1) "النهاية" ج 5 ص 125.
(¬2) "شرح مسلم" ج 6 ص 45.

الصفحة 364