كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 13)

وقال القرطبي -رحمه الله-: هذه الأنوار يمكن حملها على ظاهرها، فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نورا يستضيء به في ظلمات يوم القيامة هو، ومن تبعه، أو من شاء الله منهم.
قال: والأولى أن يقال: هي مستعارة للعلم والهداية، كما قال تعالى: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] وقال: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الآية [الأنعام: 122].
قال: والتحقيق في معناه أن النور مُظهِرُ ما ينسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور السمع مظهر للمسموعات، ونور البصر كاشف للمبصَرَات، ونور القلب كاشف عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات. انتهى.
وقال الطيبي رحمه الله تعالى: معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى كلُّ عضو بأنوار المعرفة والطاعات، ويتعرّى عما عداهما، فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس، فكان التخلص منها بالأنوار السادّة لتلك الجهات.
قال: وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان، وضياء الحق، وإلى ذلك يرشد قوله تعالى. {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} الآية [النور: 35] انتهى ملخصا. قال الحافظ: وكان في بعض ألفاظه ما لا يليق بالمقام، فحذفته. انتهى.
وقال الطيبي أيضا: خص القلب والسمع والبصر بـ"في" الظرفية؛ لأن القلب مقرّ الفكر في آلاء الله تعالى، والبصر مَسَارح النظر في آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس، والسمع مَحَطُّ آيات الله المنزلة على أنبياء الله، واليمين والشمال خُصّا بـ"عن" للإيذان بتجاوز الأنوار عن قلبه وبصره وسمعه إلى من عن يمنيه وشماله من أتباعه، وعُزِلَت "فوق"، و"تحت"، و"أمام"، و"خلف" من "مِنْ" الجارّة لتشمل استنارته وإنارته معا من الله والخلق. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه تعالى: هذا الذي قاله الطيبي -رحمه الله- من تجريد "تحت"، و"فوق" إنما يناسب رواية الشيخين، وأما رواية المصنف، فقد اقترن "تحت" و"فوق". بها، فليُتنَبَّهْ. والله تعالى أعلم.
(وأعظم لي نورًا) أي اجعل لي نورًا عظيما جامعا للأنوار كلها. انتهى.
وفي رواية لمسلم: "واجعل لي نورا، أو قال: "واجعلني نورا". وهذا إجمال بعد تفصيل.
قال بعضهم: جعله فَذْلَكَةً لما تقدم، أي إجمالا لذلك التفصيل. وفَذْلَكَة الشيء:

الصفحة 365