كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 13)

(وصوره) أي رتبه على هيئة خاصة، كما شاءها (فأحسن صورته) أي أحسن تركيب هيئته كما شاء.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} الآية [الحشر: 24]: ما نصه: الخلق: التقدير، والبَرْء هو الفَرْي، وهو التنفيذ، وإبراز ما قدّره، وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدّر شيئًا، ورتّبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل، قال الشاعر يمدح آخر (¬1): [من الكامل]
وَلأَنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْت وَبعْـ ... ـضُ الْقَوْمِ يخلُقُ ثمَّ لَا يَفْري
أي أنت تنفذ ما خلقت، أي قدّرت، بخلاف غيرك، فإنه لا يستطع ما يريد، فالخلق التقدير، والفَرْى التنفيذ، ومنه يقال: قدّر الجَلَّادُ ثم فَرَى أي قطع على ما قدّره بحسب ما يريده، وقوله تعالى: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ} أي الذي إذا أراد شيئا قاله "كن"، فيكون على الصفة التي يريد الصورة التي يختار، كقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] ولهذا قال: "المصور"، أي الذي ينقذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريد. انتهى (¬2)
(تبارك الله) قال ابن منظور رحمه الله تعالى: "تبارك الله": تقدّس، وتنزه، وتعالي، وتعاظم. ولا تكون هذه الصفة لغيره. قال: وسئل أبو العباس عن تفسير "تبارك الله"؟ فقال: ارتفع، والمتبارِكُ: المرتفع. وقال الزجاج: تبارك: تفاعل من البركة، كذلك يقول أهل اللغة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. ومعنى البركة: الكثرة في كل خير. وقال ابن الأنباري: تبارك الله: أي يُتَبَرَّك باسمه في كل أمر. وقال الليث في تفسير تبارك الله: تمجيد وتعظيم. انتهى "لسان العرب" اختصار. جـ 1 ص 266.
وقال النووي -رحمه الله- في "المجموع" برقم ص 409 - 410: قوله: "تبارك الله": أي تعالى، والبركة النماء والعلوّ، حكاه الأزهرى، عن ثعلب. وقال ابن الأنباري: تبرك العباد بتوحيده، وذكر اسمه. وقال ابن فارس: معناه ثبت الخير عنده.، قيل: تعظم، وتمجّد. قاله الخليل. انتهى.
(أحسن الخالقين) بالرفع فاعل "تبارك"، أي المصورين والمقدرين، فإنه الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإمداد، وغيره إنما يوجد صورا
مُمَوَّهَةً، ليس فيها شيء من حقيقة الخلق، مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته،
¬__________
(¬1) البيت لزهير بن أبي سُلمَى يمدح هرم بن سنان. اهـ من هامش "القرطبي" ج 12 ص 110.
(¬2) "تفسير ابن كثير" ج 4 ص 367 - 368.

الصفحة 374