كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 14)

وغيرهما، وإلى ذلك ذهب جماعة منهم الشافعي، كما تقدم، وهو الظاهر، ولا يعارض حديث الباب، وما في معناه الأحاديث المتقدمة في فضل السجود؛ لأن صيغة "أفعل" الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام، ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام.
وأما حديث "ما تقرب العبد إلى الله بأفضل من سجود خفيّ" فإنه لا يصحّ لإرساله، كما قال العراقي، ولإن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف. وكذلك أيضًا لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام؛ لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء.
وقال الحافظ العراقي -رحمه الله-: الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تشرع فيها الجماعة، وعلى صلاة المنفرد، فأما الإمام في الفرائض والنوافل فهو مأمور بالتخفيف المشروع، إلا إذأ علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل، ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه، فلا بأس بالتطويل، وعليه يحمل صلاته - صلى الله عليه وسلم - في المغرب بـ"الأعراف"، كما تقدم. انتهى "نيل الأوطار" (¬1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي رجحه الشوكاني رحمه الله تعالى من كون طول القيام أفضل من كثرة السجود هو الراجح عندي؛ لظاهو نصّ "أفضلُ الصلاة طولُ القنوت"، ولأن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - موصوفة بطول القيام، لا بكثرة السجود، فقد صح عنه أنه كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، ويقرأ في ركعة بـ"البقرة"، و"آل عمران"، و"النساء"، ومن المعلوم أنه لا يختار إلا الأفضل، فاتفق فعله مع قوله في ذلك، فكان هو الأفضلَ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...

169 - (فَضْلُ السُّجُودِ)
أي هذا باب ذكر الحديث الدّالّ على فضل السجود.
1138 - (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ هِقْلِ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ،
¬__________
(¬1) "نيل" ج 3 ص 92.

الصفحة 10