كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 14)

والمعنى أقرب أكوان العبد من ربه، تبارك وتعالى حاصل حين كونه ساجدا.
ولا يرد على الأول أن الحال لا بدّ أن يرتبط بصاحبه، ولا ارتباط ها هنا، لأن ضمير "هو ساجد" لـ"العبد"، لا لـ"أقرب"، لأنا نقول: يكفي في الارتباط وجود الواو من غير حاجة إلى الضمير، مثل "جاء زيد، والشمس طالعة". أفاده السندي رحمه الله تعالى.
وقال الحافظ السيوطي -رحمه الله- في "عقود الزبرجد" نقلا عن ابن مالك -رحمه الله-: ما نصه: قوله: "وهو ساجد" جملة حالية سدت مسد خبر المبتدإ، ونظيره "ضربي زيدا قائما"، التزمت العرب حذف خبر المبتدإ، وتنكير "قائما"، وجعلت المبتدأ عاملا في ضمير صاحب الحال، ويشهد بأن "كان" المقدرة تامة، و"قائما" حال من فاعله التزامُ العرب تنكيرَ "قائما"، وإيقاعُ الجملة الاسمية المقرونة بواو الحال مَوْقعَه في هذا الحديث، والمبتدأ فيه مؤوّل يُفسِّرُ صاحب الحال، يعني بالمصدر المقدر، لأن لفظ "ما يكون" مؤول بـ"الكون"، والتقدير أقرب الكون كونُ. . . انتهى (¬1).
وقال يس الحمْصِي -رحمه الله-: في قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما: ما نصه: "ما" مصدرية عند الجمهور، التقدير: أخطب أكوان الأمير، وإنما قدرناه بالأكوان لأجل إضافة أفعل التفضيل، ضرورة أنه بعض ما يضاف إليه، فلابد من تعدده، ولا يقدر بين "ما" والمصدر شيء، وبعضهم يقدر بين "ما" والمصدر شيئا، وبعضهم يقدر محذوفا، أي أخطب أزمان كون الأمير قائما. وقيل: "ما" نكرة موصوفة بالجملة بعدها، وهي "يكون الأمير"، والضمير الرابط بين الصفة والموصوف محذوف، والتقدير: أخطب شيء يكون الأمير فيه خطيبا إذا كان قائما، فـ"فيه" الذي قدرته خبر "يكون"، والهاء من "فيه" هو العائد إلى الموصوف المذكور. انتهى كلام يس رحمه الله تعالى (¬2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إنما كان العبد في السجود أقرب إلى ربه من سائر أحوال الصلاة وغيرها، لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه بمخالفتها يقرب من ربه، والسجودُ فيه غاية التواضع، وترك الكبر، وكسر النفس؛ لأنها لا تأمر صاحبها بالمذلة، ولا ترضى بها، ولا بالتواضع، فإذا سجد فقد خالف نفسه، وبعُدَ عنها، فإذا بعُد عن نفسه قرب من ربه.
وقال السندي رحمه الله تعالى: ما حاصله: قيل: وجه أقربية العبد من ربه في السجود، أن العبد داع دربه فيه، لكونه مأمورا به، والله تعالى قريب من السائدين، لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الآية [البقرة: 186]. ولأن السجود
¬__________
(¬1) "عقود الزبرجد" ج 2 ص 257 - 258.
(¬2) "حاشية مجيب النِّدَاعلى قطر النَّدى" ج 1 ص 259.

الصفحة 7