كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

(وَالسِّوَاكُ) عطف على "الغسل".
(وَيَمَسُّ من الطيب) بفتح الميم أفصح من ضمها. قال الفيومي: مسسته، من باب تعب، وفي لغة: مسسته مَسًّا من قتل: أفضيت إليه بيدي من غير حائل، هكذا قيّدوه، والاسم المَسيس. قال: ومَسَّ الماءُ الجسدَ مَسًّا: أصابه، ويتعدّى إلى ثان بالحرف، وبالهمزة، فيقال: مسست الجسد، وأمسستُ الجسد ماءً انتهى.
قال السندي رحمه الله تعالى: وهو خبر بمعنى الأمر.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أنه عطف على "الغسل" بحذف أن المصدريّة، وحذف "أن" ورفع الفعل جائز عند بعض النحاة، وهو الأصح، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية [الروم: 24]، والتقدير هنا: والمسُّ منَ الطِّيب. و"من" بيان مقدم لـ"ما" في قوله (مَا قَدَرَ عَلَيْه) و"ما" مفعول "يمسّ"، أي ومسُّ الشيء الذي قدر عليه من الطيب.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يحتمل إرادة التأكيد حتى يفعله بما أمكنه، ويحتمل إرادة التكثير، والأول أظهر، ويؤيده قوله: "ولو من طيب المرأة"، وهو المكروه للرجال، وهو ما ظهر لونه، وخفى ريحه، فإباحته للرجل هنا للضرورة، لعدم غيره، وهذا يدلّ على تأكده. والله أعلم (¬1).
(إِلاَّ أَنَّ بُكَيْرًا) استثناء منقطع، أي لكن بُكير بن الأشجّ خالف سعيد بن أبي هلال في سند هذا الحديث، فـ (لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) بن أبي سعيد، بل جعله عن عمرو بن سُليمِ، عن أبي سعيد (و) خالف في متنه أيضًا بالزيادة، فـ (وَقَالَ فِي الطِّيبِ: وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ) يعني أنه قال: ويمس من الطيب، ولو من طيب المرأة.
و"لو" وصلية، فلا تحتاج إلى جواب، والجار والمجرور خبر لـ"كان" المحذوفة مع اسمها، وهو كثير في الاستعمال، كما قال في "الخلاصة":
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثِيرًا ذَا اشْتَهَرْ
أي ولو كان الممسوسُ كائنًا من طيب المرأة.
[تنبيه]: رواية بُكير بن الأشج التي قال فيها المصنف أنه لم يذكر فيها "عبد الرحمن" وافقه فيها شعبة، فقد رَوَى الحديث البخاري في "صحيحه" عن علي -هو ابن المديني- عن حَرَميّ بن عُمَارة، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن المنكدر، قال: حدثني عَمرو بن سليم الأنصاري، قال: أشهد على أبي سعيد، قال: أشهد على رسول
¬__________
(¬1) أفاده النووي في "شرح مسلم" جـ 6 ص 135.

الصفحة 104