كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستنّ، وأن يمسّ طيباً، إن وجده".
قال الحافظ رحمه الله تعالى بعد ذكر نحو ما تقدم عن النسائي: ما حاصله: وكذلك أخرجه أحمد من طريق ابن لَهيعة، عن بكير، ليس فيه عبد الرحمن.
وغفل الدارقطني في "العلل" عن هذا الكلام الأخير، فجزم بأن بُكيرًا وسعيدًا خالفا شُعبة، فزادا في الإسناد "عبدَ الرحمن"، وقال: إنهما ضبطا إسناده، وجوّداه، وهو الصحيح.
وليس كما قال، بل المنفرد بزيادة "عبد الرحمن" هو سعيد بن أبي هلال، وقد وافق شعبةَ، وبُكيرًا على إسقاطه محمد بن المنكدر، أخو أبي بكر، أخرجه ابن خُزيمة من طريقه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد.
والذي يظهر أن عمرو بن سُليم سمعه من عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، ثم لقي أبا سعيد، فحدّثه، وسماعه منه ليس بمنكر؛ لأنه قديم، وُلد في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولم يوصف بالتدليس.
وحكى الدارقطني في "العلل" فيه اختلافا آخر على علي بن المديني شيخ البخاري فيه، فذكر أن الباغنديّ حدث به عنه بزيادة عبد الرحمن أيضًا، وخالفه تمّام عنه، فلم يذكر عبد الرحمن.
وفيما قاله نظر، فقد أخرجه الإسماعيلي، عن الباغندي بإسقاط عبد الرحمن، وكذا أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" عن أبي إسحاق بن حمزة، وأبي أحمد الغطريفي، كلاهما عن الباغندي، فهؤلاء ثلاثة من الحفّاظ حدّثوا به عن الباغنديّ، فلم يذكروا عبد الرحمن في الإسناد، فلعلّ الوهم فيه ممن حدث به الدارقطنيّ عن الباغنديّ.
وقد وافق البخاريّ على ترك ذكره محمد بنُ يحيى الذُّهْليُّ عند الجوزقي، ومحمدُ ابنُ عبد الرحيم صاعقةُ عند ابن خُزيمة، وعبدُ العزيز بن سلام عند الإسماعيليّ، وإسماعيلُ القاضي عند ابن منده في "غرائب شعبة"، كلهم عن علي بن المديني، ووافق عليَّ بنَ المدينيّ على ترك ذكره أيضًا إبراهيمُ بنُ محمد بن عَرْعَرَة، عن حرمي بن عُمَارة، عند أبى بكر المرّذي في "كتاب الجمعة" له.
ولم أقف عليه من حديث شعبة إلا من طريق حرميّ، وأشار ابن منده إلى أنه تفرّد به انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (¬1). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع
¬__________
(¬1) "فتح" جـ 3 ص 18.

الصفحة 105