كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

لطائف هذا الإسناد:
منها: أنه من سداسيات الممصنف رحمه الله تعالى، وأن رجاله كلهم رجال الصحيح، وأنه مسلسل بالكوفيين غير شيخه، وشيخ شيخه، فبصريان، وأن شيخه أحد مشايخ الأئمة الستة بلا واسطة، وفيه ثلاثة من التابعين، كلهم كوفيون، يروي بعضهم عن بعض، وهم الأعمش، وعمارة، والأسود. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عن الأسود) أنه (قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنهِ (لَا يَجعَلَنَّ) بنون التوكيد المشددة (أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جزءاً) الظاهر أنه على حذف مضاف، أي من عبادة نفسه حظاً للشيطان، أو المعنى: من عند نفسه، لا من تسلط الشيطان وغلبته، يعني أنه لا ينبغي له أن يفتح باباً للشيطان بنفسه باعتقاد ما ليس بواجب واجباً. والله تعالى أعلم.
وفي رواية البخاريّ: "من صلاته" (يَرَى) بفتح أوله، أي يعتقد، ويجوز الضم، أي يظنّ.
ووجه ارتباط هذه الجملة بما قبلها، هو إما أن يكون بياناً للجعل، أو يكون استئنافاً، تقديره: كيف يجعل جزءًا للشيطان من نفسه؟، فقال: "يرى أن حتما عليه أن لا ينصرف الخ". أفاده العيني رحمه الله تعالى.
(أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِ) أي وجوباً، وفي نسخة "حقًّا"، وهو الذي في رواية البخاريّ، وانتصابه على أنه اسم "أنّ"، وقوله (أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ عَنْ يَمِينِهِ) في تأويل المصدر خبر "أنّ".
والمعنى يرى أن واجباً عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه.
وقال السنديّ رحمه الله: وأورد عليه أن "حتمًا"، أو "حقاً" نكرة، وقوله: "أن لا ينصرف" بمنزلة المعرفة، وتنكير الاسم مع تعريف الخبر لا يجوز.
وأجيب بأنه من باب القلب.
قلت: وهذا الجواب يَهدم أساس القاعدة، إذ يَتَأَتَّى مثله في كلّ مبتدإ نكرة، مع تعريف الخبر، فما بقي لقولهم بعدم الجواز فائدة، ثم القلب لا يُقبل بلا نُكتة، فلابُدّ لمن يُجَوّز ذلك من بيان نكتة في القلب ههنا.
وقيل: بل النكرة الْمُخَصَّصَة كالمعرفة.
قلت: ذلك في صحّة الابتداء بها، ولا يلزم منه أن يكون الابتداء بها صحيحاً مع تعريف الخبر، وقد صرّحوا بامتناعه.

الصفحة 19