كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

وبأن رواية ابن مسعود تُوافق ظاهر الحال، لأن حُجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت على جهة يساره.
قال: ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال: كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال: أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حال استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختصّ الانصراف بجهة معيّنة، ومن ثمَّ قال العلماء: يستحبّ الانصراف إلى جهة حاجته، لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقّه فاليمين أفضل، لعموم الأحاديث المصرّحة بفضل التيامن، كحديث عائشة -رضي الله عنها-: "كان يُحبّ التيامن ما استطاع، في طهوره, وتنعّله, وترجّله، وفي شأنه كله" متفق عليه.
قال الجامع عفا الله عنه: أولى الجمع عندي هو الذي قاله النووي رحمه الله تعالى.
وحاصله أن كلّا منهما قال: إنه أكثرُ حَسَبَ اعتقاده، وإلا فالواقع يؤيّد ما قاله ابن مسعود -رضي الله عنه-، حيث إن أكثر صلاته -صلى الله عليه وسلم- كان في مسجده، وكانت حُجره إلى جهة اليسار، فيكون أكثر انصرافه إليها.
وقد وقع التصريح بذلك عند أحمد من طريق عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، أن ابن مسعود حدّثه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عامّة ما ينصرف من الصلاة على يساره إلى الحُجُرات".
فتبيّن بهذا أن الانصراف إلى جهة الحاجة هو السنة، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذ الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -100/ 1360 - وفي "الكبرى 134/ 1283 - بالسند المذكور.
وأخرجه (خ) 1/ 216 (م) 2/ 153 (د) 1042 (ق) 930 (الحميدي) 127 (أحمد) 1/ 383 و1/ 408 و1/ 429 و1/ 459 و1/ 464 (الدارمي) 1357 (ابن خزيمة) 1714 والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في فوائده:
منها: ما بوّب له المصنف رحمه الله تعالى، وهو مشروعية الانصراف من اليسار.
ومنها: أن اعتقاد مشروعية ما ليس مشروعًا حظ من حظوظ الشيطان.
ومنها: ما قاله ابن الْمُنَيّر رحمه الله: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات، إذا رُفعت

الصفحة 21