كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

بحمل النهي على التنزيه بدليل هذا الحديث، ونحوه، وهذا هو المذهب الراجح، وإليه أشار الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في "ألفية السيرة" حيث قال:
يَشْرَبُ قَاعِداً وَمِنْ قِيَامِ ... كشُرْبِهِ مِن زَمْزَمِ الْحَرَامِ
وَشُرْبِهِ مِنْ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَهْ ... دَلَّ بِهِ لِلرُّخْصَةِ الْمُحَقَّقَهْ
وقد تقدم الكلام عليه مستوفًى في 103/ 136 - فراجعه تستفدْ، وبالله تعالى التوفيق.
(وَيُصَلِّى حَافِيًا) أي بلا لبس نعل، ولا خُفّ، يقال: حَفِي الرجلُ يَحْفَى، من باب تَعِبَ، حَفَاءً، مثل سَلَام: مَشَى بغير نعل، ولا خُفّ، فهو حافٍ، والجمع حُفَاة مثل قاض وقُضاة (¬1) (وَمُنْتَعِلاً) أي لابساً نَعْلاً، وفيه جواز الصلاة حافياً ومنتعلاً، وقد تقدم تمام البحث فيه في -24/ 775 - فراجعه تستفد (وَيَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ) هذا محل الترجمة، حيث دلّ على مشروعية الانصراف من الصلاة عن جهتي اليمين واليسار. والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هذا صحيح، انفرد به المصنف رحمه الله عن أصحاب الأصول، أخرجه هنا -100/ 1361 - وفي "الكبرى" -134/ 1284 - بالإسناد المذكور.
وأخرجه أحمد 6/ 87. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: هذا الحديث من رواية بقية بن الوليد، وقد صرّح بالتحديث.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وهذا إسناد جيِّد.
لكن رواه عبد الله بن سالم الحمصيّ -وهو ثقة ثبت- عن الزبيديّ، عن سليمان بن موسى، عن مكحول بهذا الإسناد. قال الدارقطني: وقوله: أشبه بالصواب انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: أعلّ الدارقطني رحمه الله تعالى رواية بقية هذه، برواية عبد الله بن سالم، حيث أدخل بين الزُّبيديّ ومكحول سليمان بن موسى، ورجح روايته على رواية بقية، لأنه أوثق منه.
قلت: لكن العلة هذه لا تؤثّر في صحة الحديث، لأن سند عبد الله بن سالم صحيح، فيصحّ الحديث به على أنه يمكن الجمع بأن الزُّبيديّ سمعه أولاً بواسطة سليمان، ثم لقي مكحولاً فحدثه به، كما سبق نظيره غير مرّة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
¬__________
(¬1) "المصباح المنير" جـ 1 ص 143.

الصفحة 23