كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

بعض حُجر نسائه" (سَرِيعاً) حال من فاعل "انصرف" أيضاً، فهما حالان مترادفان، أو من فاعل "يتخطى" فهما متداخلان (حَتَّى تَعَجَّبَ النَّاسُ لِسُرْعَتِهِ) وفي رواية البخاري: "فعجب الناس من سرعته"، وفي رواية له: "ففزع الناس من سرعته".
وكان من عادة الصحابة -رضي الله عنهم- الفزع والخوف إذا رأوا منه -صلى الله عليه وسلم- غيرَ ما يَعهَدونه، خشية أن ينزل فيهم شيء يسوؤهم.
(فَتَبِعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ) أي ليعرف سبب استعجاله في الانصراف (فَدَخَلَ) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- (عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ، ثُمَّ خَرَجَ) زاد البخاريّ: "فرأى أنهم عَجبوا من سُرعته" (فَقَالَ) مبيناً لهم سبب استعجاله على غير عادته، ومعتذراً إليهم في ذلك (إِنِّي ذَكَرْتُ، وَأَنا فِي الْعَصْرِ شَيْئاً مِنْ تِبْرٍ) بكسر التاء المثناة، وسكون الموحدة: ما كان من الذهب غير مضروب، فإن ضُرب دنانير، فهو عَيْن، وقال ابن فارس: التِّبْر ما كان من الذهب والفضّة غير مَصُوغ. وقال الزّجّاج: التِّبْر كلُّ جوهر قبل استعماله، كالنحاس، والحديد، وغيرهما انتهى (¬1).
(كَانَ عِنْدَنَا) جملة في محلّ جرّ صفة لـ"تبر" (فَكَرِهْتُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَنَا) أي لأنه من تبر الصدقة، ففي رواية البخاريّ أنه كان تبراً من الصدقة (فَأمَرْت بِقِسْمَتِهِ) وفي رواية البخاري: "فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته". ومعنى "يحبسني" أي يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى، وفَهم ابن بطّال منه معنى آخر، فقال: فيه أن تأخير الصدقة تحبس صاحبها يوم القيامة انتهى. ذكره في "الفتح" (¬2). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عُقبة بن الحارث رضي الله تعالى عنه هذا أخرجه البخاري.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -104/ 1365 - وفي "الكبرى" -138/ 1288 - بالسند المذكور.
وأخرجه (خ) 1/ 215 و2/ 84 و2/ 140 و8/ 76 (أحمد) 4/ 7 و384 و4/ 8 و384. والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في فوائده:
¬__________
(¬1) "المصباح".
(¬2) "فتح" جـ 2 ص 608.

الصفحة 34