كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

وفيه جابر رضي الله تعالى عنه من المكثرين السبعة، روى (1540) حديثًا. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث)
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) رضي الله تعالى عنهما (أَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) -رضي الله عنه- (يَوْمَ الْخَنْدَقِ) متعلق بـ"جعل" الآتي، وكذا ما بعده.
وأراد بـ"يوم الخندق" غزوة الخندق، وتسمَّى "الأحزاب"، فأما تسميتها بالخندق، فلأجل الخندق (¬1) الذي حُفر حول المدينة بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان الذي أشار بذلك سلمان الفارسي -رضي الله عنه- فيما ذكر أصحاب المغازي، حيث قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنا كنا بفارس إذا حُوصرنا خَندَقنا علينا، فأَمَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق حولَ المدينة، وعمل فيه بنفسه، ترغيبًا للمسلمين، فسارعوا إلى عمله، حتى فرغوا منه، وجاء المشركون فحاصروهم.
وأما تسميتها بـ"الأحزاب" فلاجتماع طوائفَ من المشركين على حرب المسلمين، وهم قُريش، وغَطَفَان، واليهود، ومن تبعهم، وقد أنزل الله تعالى في هذه القصّة صدر "سورة الأحزاب" (¬2).
(بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ) "جعل" هي من أفعام الشروع التي ترفع المبدأ، وتنصب الخبر، واسمها ضمير عمر، وخبرها جملة "يَسُبّ".
وإنما سبّهم لأنهم كانوا السببَ في تأخيرهم الصلاة عن وقتها، إنما المختار، كما وقع لعمر -رضي الله عنه-، وأما مطلقاً، كما وقع لغيره.
(وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ) لفظة "كاد" من أفعال المقاربة، فإذا قلت: كاد زيد يقوم فُهم منه أنه قارب القيام، ولم يقم، قال: والغالب فيها أن لا يقترن خبرها بـ"أن"، بخلاف "عسى"، فإن الغالب فيها أن يقترن بها، كما قال في "الخلاصة":
كَكَانَ كادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارعِ لِهَذَيْنِ خَبَرْ
وَكوْنُهُ بِدُونِ "أَنْ" بَعْدَ عَسَى ... نَزْرٌ وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا
وقد وقع خبرها هنا في رواية المصنف مقترنا بها، وكذا عند مسلم في قوله: "أن تغرب"، ومثله في رواية البخاريّ في "غزوة الأحزاب".
قال في "الفتح" هو من تصرّف الرواة، وهل تسوغ الرواية بالمعنى في مثل هذا، أولاً؟ الظاهر الجواز؛ لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر، كيف وقعت، لا
¬__________
(¬1) "الخندق" كجعفر: حَفِيرٌ حول أسوار المدن، معرب كَنْدَه. قاله في "ق".
(¬2) "فتح" جـ 8 ص 148.

الصفحة 37