كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

وتقييدهم، وقال أهل اللغة: هو بفتح الباء، وكسر الطاء، ولم يُجيزوا غير هذا، وكذا نقله صاحب "البارع" أبو عُبيد البكري. وهو واد بالمدينة انتهى.
(فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) أي صلاها بهم جماعةً، كما وقع التصريح بذلك في رواية الإسماعيليّ من طريق يزيد بن زُريع، عن هشام، بلفظ: "فصلّى بنا العصر".
وهذا يقتضي أن الذي فاتهم من الصلاة العصرُ.
لكن وقع في "الموطإ" من طريق أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر، وفي حديث أبي سعيد أنه الظهر والعصر، والمغرب، وإنهم صلَّوا بعد هُويّ من الليل. وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أن المشركين شغلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله". وفي قوله: "أربع" تجوّز؛ لأن العشاء لم تكن فاتت.
قال اليعمري رحمه الله تعالى: من الناس مَن رجّح ما في "الصحيحين"، وصرّح بذلك ابن العربي رحمه الله، فقال: إن الصحيح أن الصلاة التي شُغل عنها واحدة، وهي العصر.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: ويؤيده حديث علىّ في مسلم: "شغلونا عن الصلاة الوُسطَى صلاة العصر".
ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أيامًا، فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام، قال اليعمري: وهذا أولى.
قال الحافظ: ويقرّبه أن روايتي أبى سعيد، وابن مسعود -رضي الله عنهما- ليس فيهما تعرّض لقصّة عمر -رضي الله عنه-، بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب، وأما رواية حديث الباب، ففيها أن ذلك كان عقب غروب الشمس (¬1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما رجحه اليعمري رحمه الله تعالى هو الأرجح عندي.
وحاصله أنه -صلى الله عليه وسلم- شغل في أيام عن صلوات مختلفة، ففي يوم عن صلاة العصر فقط، وفي يوم عن العصر والمغرب، وفي يوم عن أربع صلوات، فبهذا تجتمع الأحاديث المختلفة في الباب، والجمع مهما أمكن أولى من إهمال بعض الروايات الصحيحة. والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ صَلّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) فيه مشروعية الترتيب بين الفائتة والوقتية، وكذلك بين
¬__________
(¬1) المصدر السابق جـ 2 ص 267 - 268.

الصفحة 40