كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)
شرح الحديث
(عَنْ عَطَاءِ) بن أبي رباح، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْر) الليثي (يُحَدِّثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أُصَدِّقُ) أي قال عبيد بن عمير: حدثني الشخص الذي أصدّق قولَه، لكونه ثقة (فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ) أي قال عطاء: فظننتُ أن عبيد بن عمير يريد بالمبهم في قوله: من أُصدّق عائشةَ - رضي اللَّه عنها -.
ولا يقال: إن الحديث له حكم المرسل، جريًا على قول من يقول: إن قوله: حدثني الثقة، وحدثني من أصدّق ليس بحجة, لأن الحديث التالي فيه تصريح عبيد بن عمير بأنها عائشة، فزال الإبهام (أَنَّهَا قَالَتْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ) بفتح الكاف، والسين، من باب ضرب: أي ذهب ضوؤها، واسودّت (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي في وقته بالمدينة، في السنة العاشرة من الهجرة، كما عليه جمهور أهل السير، في ربيع الأول، أو في رمضان، أو ذي الحجة، في عاشر الشهر، وعليه الأكثر (¬1) (فَقَامَ بِالنَّاسِ قِيَامًا شَدِيدًا) أي على النفوس، والمراد بهذا القيام الصلاة بتمامها (يَقُومُ بِالنَّاسِ) بيان للقيام الشديد، وهذا من قبيل إحضار هيئة القيام في الحال، فلذلك أتى بصيغة المضارع، وكذا ما بعده، قاله السنديّ (ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ، ثُمَّ يَرْكَعُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَين، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاَثَ رَكَعَاتِ) أراد بالركعات هنا الركوع، كما تقدّم مثله، وهذا محلّ الترجمة، حيث إنه يدلّ على كيفية أخرى لصلاة الكسوف غير ما تقدّم في حديث عائشة - رضي الله عنها -، فقد تقدّم عنها ركوعان في كلّ ركعة (رَكَعَ الثَّالِثَةَ، ثمَّ سَجَدَ) ولفظ أبي داود: "يركع الثالثة، ثم يسجد" (حَتَّى إِنَ رِجَالاً يَوْمَئِذِ يُغْشَى عَلَيْهِمْ) غاية لشِدة طول القيام، يعني أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أطال القيام حتى يُغشى على بعضهم (حَتَّى إِن سِجَالَ المْاءِ) بكسر السين المهملة، وفتح الجيم: جمع سَجْل، بفتح، فسكون، وهو الدلو العظيمة، وبعضهم يزيد: "إذا كانت مملوءةً" (¬2)، وهو المناسب هنا، والإضافة بمعنى اللام (لَتُصَبُّ عَلَيْهِمْ، ممِّا قَامَ بهِمْ) يعني أن الماء الذي في الدلو يُصبّ على الذين يُغشى عليهم من طول قيامه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ليزول عنهم الغَشَيان (يَقُولُ إِذَا رَكَعَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ"، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ: "سَمِعَ اللَّهُ لمِنْ حَمِدَهُ") أي "مع ربنا ولك الحمد"، لما يأتي في الباب التالي بلفظ: "فقال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد" (فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ) أي انكشفت، وظهر ضوؤها (فَقَامَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ،
¬__________
(¬1) "عون المعبود" ج 4 ص 41.
(¬2) "المصباح المنير"
الصفحة 410
446