كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ, فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ, وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ, وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ, قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ, ثُمَّ قَامَ, فَخَطَبَ النَّاسَ, فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ, ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ, مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى, لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ, وَلاَ لِحَيَاتِهِ, فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا, فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا, كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ, لَقَدْ رَأَيْتُمُونِي, أَرَدْتُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ, حِينَ رَأَيْتُمُونِي, جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ, وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ, يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا, حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ, وَرَأَيْتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ, وَهُوَ الَّذِى سَيَّبَ السَّوَائِبَ»).
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 - (محمد بن سَلَمَة) المراديّ الجَمَليّ، أبو الحارث المصريّ، ثقة ثبت [11] 19/ 20.
2 - (ابن وهب) عبد اللَّه المصريّ، ثاقة حافظ عابد [9] 9/ 9.
3 - (يونس) بن يزيد الأيليّ، ثقة ثبت [7] 9/ 9.
والباقون تقدّموا قريبًا. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد.
(منها): أنه من سداسيات المصنف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أن نصفه الأول مسلسل بثقات المصريين، ونصفه الثاني مسلسل بثقات المدنيين. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ. (ومنها): أن فيه عروة من الفقهاء السبعة، وفيه عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - من المكثرين السبعة. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها (قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ) فيه أنه يطلق الخسوف على الشمس، وقد تقدم تحقيق ذلك في أول "كتاب الكسوف" (فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَامَ، فَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ) برفع "الناس"، أي اصطفّوا، ويجوز النصب على المفعولية، والفاعل ضمير النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذ الفعل يتعدّى، ويلزم، يقال: صَفّ القومُ: إذا صاروا صفّا، وصفّهم الإمام (فَاقْتَرَأَ) مبالغة في "قرأ"، وفي نسخة "فقرأ" (رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - قِرَاءَةً طَوِيلَةً) وفي الرواية الآتية 13/ 1481 - : "قالت عائشة: فحَسِبتُ قرأ سورة البقرة" (ثُمّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ") فيه مشروعية الجمع بين التسميع والتحميد للإمام (ثُمَّ

الصفحة 413