كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

لو تعلمون ما أعلم كما أعلم، واللَّه تعالى أعلم. قاله السنديّ (¬1).
وقال الحافظ. قيل: معنى القلّة هنا العدم، والتقدير لتركتم الضحك، ولم يقع منكم إلا نادرًا، لغلبة الخوف، واستيلاء الحزن. واللَّه تعالى أعلم.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متفق عليه، وقد تقدم تخريجه في 6/ 1465 - ولنذكر هنا فوائده:
(فمنها): المبادرة بالصلاة، وسائر ما ذُكر عند الكسوف. (ومنها): أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها، من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره، ومن زيادة ركوع في كلّ ركعة. (ومنها): اهتمام الصحابة - رضي اللَّه عنهم - بنقل أفعال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ليُقتَدَى به فيها (ومنها): الزجر عن كثرة الضحك، والحثُّ على كثرة البكاء، والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت، والفناء، والاعتبار بآيات اللَّه (ومنها): ترجيح التخويف في الخطبة على التوسّع في الترخيص، لما في ذكر الرُّخَص من ملاءمة النفوس لما جُبلت عليه من الشهوة، والطبيبُ الحاذق يقابل العلّة بما يُضادّها، لا بما يزيدها (ومنها): أنه يؤخذ من قوله: "يا أمة محمد" أن الواعظ ينبغي له حالَ وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه، بل يبالغ في التواضع، لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه (ومنها): أن فيه الردَّ على من زعم أن للكواكب تأثيرًا في الأرض، لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر، فكيف بما دونهما (ومنها): أن من حكمة وقوع الكسوف تبيينَ أنموذج ما سيقع في القيامة، وصورة عقاب من لم يُذنب، والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء، لوقوع الكسوف بالكوكب، ثم كشف ذلك عنه، ليكون المؤمن من ربّه على خوف ورجاء (ومنها): أن فيه إشارة إلى تقبيح رأي من يعبد الشمس، أو القمر.
وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} الآية [فُصّلت: 37] على صلاة الكسوف, لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما، لما يظهر فيهما من التغير والنقص المنزّه عنه المعبود، -جَلَّ وَعَلاَ-، -سبحانه وتعالى-. قاله في "الفتح" (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حمل الأمر في الآية المذكورة على صلاة الكسوف غير واضح. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
1475 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, عَنِ ابْنِ وَهْبٍ, عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ, عَنْ يَحْيَى بْنِ
¬__________
(¬1) "شرح السندي" ج 3 ص 133.
(¬2) "فتح" ج 3 ص 230 - 231.

الصفحة 421