كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

الجزأين على أنهما مبتدأ وخبر، ونصبهما، الأول على الإغراء، والثاني على الحال، ورفع الأول، ونصب الثاني، وبالعكس، وتقدم الكلام على ذلك مُستوفًى في شرح حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - في 6/ 1456 (فَصَلىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَةً) هكذا رواية المصنف هنا، وفي "الكبرى": "وسجدة" بالواو، وهو مشكل، إذ يقتضي أنه سجد سجدة واحدة.
والذي في "الصحيحين": "فركع ركعتين في سجدة" بـ "في"، قال في "الفتح": قوله: "ركعتين في سجدة"، المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها، وبالركعتين الركوعان، وهو موافق لروايتي عائشة، وابن عبّاس - رضي اللَّه عنهم - المتقدّمتين في أن في كلّ ركعة ركوعين، وسجودين، ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع، وإفراد السجود، ولم يصر إليه أحد، فتعيّن تأويله انتهى (¬1)
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وهذا هو الموافق لرواية محمد بن حمير الآتية بعد هذا: "فركع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ركعتين، وسجد سجدتين، ثم قام، فركع ركعتين، وسجد سجدتين ... ".
فلعل الواو في رواية المصنف هذه تصحّفت من "في" (¬2)، أو تصحف قوله: "وسجدة" من "وسجدتين"، كما في الرواية التالية. واللَّه تعالى أعلم.
(ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَةً، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ، وَلاَ سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطوَلَ مِنْهُ) أي من السجود الذي سجده النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في تلك الصلاة، وهو ظاهر في أن السجود في الكسوف يطوّل كما يطوّل القيام والركوع، وأبدى بعض المالكية فيه بحثًا، فقال: لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حدّ الإطالة في الركوع. قال الحافظ: وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ: "وسجوده نحو من ركوعه".
وهذا مذهب أحمد، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه، واختاره ابن سُريج، ثُمَّ النوويّ، وتعقّبه (¬3) صاحب "المهذب" بأنه لم يُنقل في خبر، ولم يقل به الشافعي اهـ. ورُدّ عليه في الأمرين معًا، فإن الشافعيّ نصّ عليه في "البويطيّ"، ولفظه: ثم يسجد سجدتين طويلتين، يقيم في كلّ سجدة نحوًا مما قام في ركوعه. انتهى (¬4). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو
¬__________
(¬1) "فتح" ج 3 ص 239.
(¬2) هذا الاحتمال هو القوى، لما سيأتي في رواية أحمد من التصريح به، حيث رواه بلفظ: "ثم ركع ركعتين في سجدة". فتأمل.
(¬3) أي تعقب القول المذكور عن الشافعي صاحب "المهذب" بأنه لم ينقل الخ.
(¬4) "فتح" ج 3 ص 239 - 240.

الصفحة 430