كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

هِرَّةِ) أي لأجل هرّة، وشأنها، قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "في" هنا للسببية، وهو مما خفي على أكثر النحويين، مع وروده في القرآن، والحديث، والشعر القديم (¬1) (رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تَدَعْهَا) أىِ لم تتركها (تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) مثلث الخاء المعجمة، أي هوامّها، وحشراتها (فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ هِيَ سَقَتْهَا، حَتَّى مَاتَتْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا تَنْهَشُهَا) بالشين المعجمة: أي تعَضّها، قال الفيومي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: نَهَسَه الكلبُ، وكلّ ذي ناب نَهْسًا، من بأبي ضرب، ونَفَع: عَضّه، وقيل: قبض عليه، ثم نَثَرَه، فهو نهّاس، ونَهَستُ اللحمَ: أخذته بمقدّم الأسنان للأكل، واختُلف في جميع الباب، فقيل: بالسين المهملة، واقتصر عليه ابن السِّكِّيت، قال: سمعت الكلابي يقول: انتهسه الكلبُ، والذئبُ، والحيّة، ونَهسَه، وقيل: جميع الباب بالسين والشين، ونقله ابن فارس عن الأصمعيّ، وقال الأزهريّ: قال الليث: النَّهش بالشين المعجمة: تناولٌ من بَعِيد، كنَهْشِ الحيّة، وهو دون النهس، والنّهْسُ بالمهملة. القبضُ على اللحم، ونثره، وعكَسَ ثعلبٌ، فقال: النهسُ بالمهملة يكون بأطراف الأسنان، والنهْشُ بالمعجمة بالأسنان، وبالأضراس، وقال ابن الْقُوطِيّة كما قال الليث: نَهَشَهُ الحيةُ بالشين المعجمة ن ونهسه الكلب، والذئبُ والسبع بالمهملة انتهى كلام الفيّومي (¬2).
(إِذَا أَقْبَلَتْ، وَإذَا وَلَّتْ تَنْهَشُ أَلْيَتَهَا) بفتح الهمزة: العَجِيزة، أي إذا أدبرت المرأة، تنهش عجيزتها، والحاصل أن الهرّة في النار مع المرأة، لكن لا لتُعَذَّب الهرّةُ، بل لتكون عذابًا في حقّ المرأة.
قال القاض عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث المؤاخذة بالصغائر، قال: وليس فيه أنها عُذّبت عليها بالنار، قال: ويحتمل أنها كانت كافرة، فزيد في عذابها بذلك انتهى.
وتعقّبه النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقال. وليس هذا بصواب، بل الصواب المصرّح به في الحديث أنها عُذّبت بسبب الهرّة، وهي كبيرة؛ لأنها ربطتها، وأصرّت على ذلك، حتى ماتت، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، كما هو مقرّر في كتب الفقه وغيرها، وليس في الحديث ما يقتضي كفر هذه المرأة انتهى (¬3).
(وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْن) وفي الرواية الآتية 20/ 1496 من طريق شعبة، عن عطاء: "ورأيت فيها سارق بَدَنَتَيْ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -".
قال السندي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا في نسخة النسائي -يعني "صاحب السبتيتين"- وفي كتب
¬__________
(¬1) "زهر الربى" ج3 ص 139.
(¬2) "المصباح المنير" في مادة "نهس".
(¬3) "شرح مسلم" ج 6 ص 207 - 208.

الصفحة 437