كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

نَقيع الْخَضِمَات (¬1) قبل أن يقدَمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وقبل أن يَبني مسجدَهُ.
يدلَّ على ذلك حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان كلما سمع أذان الجمعة استغفر لأسعد بن زُرارة، فسأله ابنه عن ذلك؟ فقال: كان أوّل من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة في نقيع الخضمات في هَزْم النَّبِيت من حَرَّة بني بياضة. قيل له: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلاً. أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه مطوّلًا.
وروى أبو إسحاق الفَزَاريّ في كتاب "السير" له عن الأوزاعيّ، عمن حدّثه، قال: بَعَثَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عُمير القُرشيّ إلى المدينة قبل أن يهاجر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "اجمع مَنْ بها من المسلمين، ثم انظر اليوم الذي تُجمّر فيه اليهود لسبتها، فإذا مال النهار عن شطره، فقم فيهم، ثمّ تزلّفوا إلى الله بركعتين".
قال: وقال الزهريّ، فجمّع بهم مُصعب بن عُمير في دار من دور الأنصار، فجمّع بهم، وهم بضعة عشر. قال الأوزاعيّ: وهو أول من جمّع بالناس.
قال ابن رجب: وقد أخرج الدارقطني -أظنه في "أفراده"- من رواية أحمد بن محمد ابن غالب الباهلي، نا محمد بن عبد الله، أبو زيد المدني، نا المغيرة بن عبد الرحمن، نا مالك، عن الزهريّ، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: أذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يَستطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجمّع بمكة، ولا يُبيّنَ لهم، وكتب إلى مصعب بن عُمير: "أما بعد، فانظر اليوم الذي تُجمّر فيه اليهود لسبتهم. فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقرّبوا إلى الله بركعتين".
قال: فأوّل من جَمّع مصعب بن عمير حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فجمع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك.
قال ابن رجب رحمه الله: وهذا إسناد موضوع، والباهلي هو غلام خليل كذّاب مشهور بالكذب، وإنما هذا من أصله من مراسيل الزهريّ، وفي هذا السياق ألفاظ منكرة.
وأخرج البيهقيّ من رواية يونس، عن الزهريّ، قال: بلغنا أن أول ما جُمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجمّع بالمسلمين مصعب بن عُمير.
وروى عبد الرزاّق في "كتابه"، عن معمر، عن الزهريّ، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عُمير إلى أهل المدينة ليُقرأهم القرآن، فاستأذن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجمّع
¬__________
(¬1) بفتح الخاء، وكسر الضاد المعجمتين: موضع حماه عمر لخيل المسلمين، وهو من أودية الحجاز قاله في "معجم البلدان" جـ 5 ص 348.

الصفحة 46