كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

ثَمَّ، فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عند الدارقطني، ولذلك جَمَّعَ بهم أولَ ما قدم المدينة، كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا، فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق.
وقيل في الحكمة في أختيارهم الجمعة: وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة، فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات، وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها، فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه انتهى.
(-يَعْني يَوْمَ الْجُمُعَةِ-) كلام جيء به لبيان مرجع اسم الإشارة في قوله: "وهذا اليوم الذي كتب الله عز وجلّ عليهم"، أي يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وهذا اليوم" يومَ الجمعة.
والعناية يحتمل أن تكون من أبي هريرة -رضي الله عنه-، أو ممن دونه. والله تعالى أعلم.
(فَالنَّاسُ لَنَا فيه تَبَعٌ) بفتح التاء المثناة، والباء الموحّدة، جمع تابع، كالخَدَم جمع خادم.
قال الحافظ ولي الدين رحمه الله: الظاهر أن معناه إنا أول من هداه الله للجمعة، وأقام أمرها، وعظّم حرمتها، فمن فعل ذلك، فهو تبع لنا.
وفي "صحيح مسلم" وغيره -وهوالحديث التالي عند المصنف- عن أبي هريرة وحذيفة -رضي الله عنهما-، قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيّ لهم"، وفي رواية: "بينهم قبل الخلائق".
ورواه البزّار في "مسنده" بلفظ: "المغفور لهم قبل الخلائق".
ويحتمل أن يُسْتدلّ به على أن الجمعة أول الأسبوع، ولا أعلم قائلا به، والله أعلم انتهى كلام ولي الدين رحمه الله تعالى.
(الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَد) وفي رواية أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عند ابن خُزيمة: "فهو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد".
والمعنى أنه لنا بهداية الله تعالى، ولهم باعتبار اختيارهم، وخطئهم في اجتهادهم.
قال القرطبيّ رحمه الله: "غدًا" هنا منصوب على الظرف، وهو متعلّق بمحذوف، وتقديره: اليهود يُعظّمون غداً، وكذا قوله: "وبَعدَ غد"، ولابد من هذا التقدير؛ لأن ظرف الزمان لا يكون خبرًا عن الْجُثّة انتهى.
وقال ابن مالك: الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني، كقولك غدًا التأهُّبُ، وبعد غد الرحيلُ، فيقدّر هنا مضافان، يكون ظرفا الزمان خبرين

الصفحة 57