كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

المذهب الراجح لوضوح أدلته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السابعة: في اختلاف أهل العلم فيمن يجب عليه شهود الجمعة:
ذهبت طائفة إلى أنه محب الجمعة على من آواه الليل إلى أهله. روي ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة، وأنس، والحسن، وعطاء، ونافع، وعكرمة، والحكم، والأوزاعي. واحتجوا بحديث "الجمعةُ على من آواه الليل إلى أهله". وهو حديث ضعيف، فيه مُعارك بن عباد ضعيف، وعبد الله بن سعيد المقبري، متروك، فلا يصح الاحتجاج به، كما قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى.
وذهبت طائفة إلى أنها تجب على من سمع النداء، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، حكاه عنهم الترمذيّ، وحكي عن عبد الله بن عمرو، ومالك. واحتجوا بحديث: "الجمعةُ على من سمع النداء". رواه أبو داود، وهو حديث ضعيف، فيه عنعنة الوليد بن مسلم، وهو مدلس، قاله العراقي.
وروي عن مالك أنها تلزم من سمع النداء بصوت الصيّت من سور البلد. وعن عطاء تلزم مَن على عشرة أميال، وقال الزهري. مَن على ستة أميال، وقال ربيعة: مَن على أربعة أميال، وروي عن مالك ثلاثة، وروي عن الشافعي فرسخ، وكذا روي عن أحمد (¬1).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجّح عندي القول بوجوبها على من سمع النداء، أو كان في قوّة من يسمع، لكونه داخل المدينة، لعموم قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الآية. ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم وغيره، قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله ليس في قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ "، قال: نعم، قال: "فأجب". ورَوَى نحوه أبو داود بإسناد حسن عن ابن أم مكتوم، قال الحافظ العراقي رحمه الله: فإذا كان هذا في مطلق الجماعة، فالقول به في خصوصية الجمعة أولى انتهى (¬2).
وأما من لا يسمع النداء لبعد مكانه، أو لكونه خارج المدينة، فلا يجب عليه إتيانها، لعدم السماع، بل يجب عليهم إقامتها في محلهم، لكونهم من أهل وجوب الجمعة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
1368 - (أَخْبَرَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ
¬__________
(¬1) راجع "نيل الأوطار" جـ 3 ص 268 - 269.
(¬2) المصدر المذكور جـ 3/ 268.

الصفحة 65